وقرأ يعقوب (وَيَضِيقُ) ... و (لا يَنْطَلِقُ) بنصب الفعلين عطفا على (يُكَذِّبُونِ) ، أي يتوقع أن يضيق صدره ولا ينطلق لسانه. قيل كانت بموسى حبسة في لسانه إذا تكلم. وقد تقدم في سورة طه وسيجيء في سورة الزخرف. وليس القصد من هذا الكلام التنصل من الاضطلاع بهذا التكليف العظيم ولكن القصد تمهيد ما فرعه عليه من طلب تشريك أخيه هارون معه لأنه أقدر منه على الاستدلال والخطابة كما قال في الآية الأخرى (وَأَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً فَأَرْسِلْهُ مَعِي) [القصص : ٣٤]. فقوله هنا (فَأَرْسِلْ إِلى هارُونَ) مجمل يبيّنه ما في الآية الأخرى فيعلم أن في الكلام هنا إيجازا. وأنه ليس المراد : فأرسل إلى هارون عوضا عني.
وإنما سأل الله الإرسال إلى هارون ولم يسأله أن يكلّم هارون كما كلّمه هو لأن هارون كان بعيدا عن مكان المناجاة. والمعنى : فأرسل ملكا بالوحي إلى هارون أن يكون معي.
وقوله : (وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ) تعريض بسؤال النصر والتأييد وأن يكفيه شرّ عدوّه حتى يؤدي ما عهد الله إليه على أكمل وجه. وهذا كقول النبيصلىاللهعليهوسلم يوم بدر : «اللهم إني أسألك نصرك ووعدك اللهم إن شئت لم تعبد في الأرض».
والذنب : الجرم ومخالفة الواجب في قوانينهم. وأطلق الذنب على المؤاخذة فإن الذي لهم عليه هو حقّ المطالبة بدم القتيل الذي وكزه موسى فقضى عليه ، وتوعده القبط إن ظفروا به ليقتلوه فخرج من مصر خائفا ، وكان ذلك سبب توجهه إلى بلاد مدين. وسمّاه ذنبا بحسب ما في شرع القبط ، فإنه لم يكن يومئذ شرع إلهي في أحكام قتل النفس. ويصح أن يكون سمّاه ذنبا لأن قتل أحد في غير قصاص ولا دفاع عن نفس المدافع يعتبر جرما في قوانين جماعات البشر من عهد قتل أحد ابني آدم أخاه ، وقد قال في سورة القصص[١٥ ، ١٦] (قالَ هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ قالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي). وأيّا ما كان فهو جعله ذنبا لهم عليه.
وقوله : (فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ) ليس هلعا وفرقا من الموت فإنه لما أصبح في مقام الرسالة ما كان بالذي يبالي أن يموت في سبيل الله ؛ ولكنه خشي العائق من إتمام ما عهد إليه مما فيه له ثواب جزيل ودرجة عليا.
وحذفت ياء المتكلم من (يَقْتُلُونِ) للرعاية على الفاصلة كما تقدم في قوله تعالى : (وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ) في سورة البقرة [٤٠].