مخيلاتهم الحالة الحاضرة ، وللدعاة والمروجين أثر كبير في ذلك. وبهذا يتضح باعث فرعون على هذا السؤال الذي ألقاه على موسى ، وهو استفهام مشوب بتعجب وإنكار على طريق الكناية.
ومن دقائق هذه المجادلة أن الاستفسار مقدّم في المناظرات ، ولذلك ابتدأ فرعون بالسؤال عن حقيقة الذي أرسل موسى عليهالسلام.
وكان جواب موسى عليهالسلام بيانا لحقيقة ربّ العالمين بما يصيّر وصفه بربّ العالمين نصا لا يحتمل غير ما أراده من ظاهره ، فأتى بشرح اللفظ بما هو تفصيل لمعناه ، إذ قال : (رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا) ، فبذكر السموات والأرض وبعموم ما بينهما حصل بيان حقيقة المسئول عنه ب (ما) ومرجع هذا البيان إلى أنه تعريف لحقيقة الربّ بخصائصها لأن ذلك غاية ما تصل إليه العقول في معرفة الله أن يعرف بآثار خلقه ، فهو تعريف رسمي في الاصطلاح المنطقي.
وانتظم السؤال والجواب على طريقة السؤال بكلمة (ما) عن الجنس. وهو جار على الوجه الأول من وجوه ثلاثة في تقرير السؤال والجواب من كلام «الكشاف» ، وهو أيضا مختار السكاكي في قانون الطلب من كتاب «المفتاح» ، وطابق الجواب السؤال تمام المطابقة.
وأشار صاحب «الكشاف» وصرّح صاحب «المفتاح» بأن جواب موسى بما يبيّن حقيقة (رَبُّ الْعالَمِينَ) تضمن تنبيها على أن الاستدلال على ثبات الخالق الواحد يحصل بالنظر في السماوات والأرض وما بينهما نظرا يؤدي إلى العلم بحقيقة الربّ الواحد الممتازة عن حقائق المخلوقات.
ولهذا أتبع بيانه بقوله : (إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ) ، أي إن كنتم مستعدين للإيقان طالبين لمعرفة الحقائق غير مكابرين. وسمي العلم بذلك إيقانا لأن شأن اليقين بأن خالق السموات والأرض وما بينهما هو الإله لا يشاركه غيره.
وضمير الجمع في (كُنْتُمْ مُوقِنِينَ) مراد به جميع حاضري مجلس فرعون ، أراد موسى تشريكهم في الدعوة تقصيا لكمال الدعوة وأن مؤاخذة القائل لا تقع إلا بعد اتضاح مراده من مقاله إذ لا يؤاخذ بالمجملات. ومن هذا قال سحنون فيمن صدر منه قول أو فعل يستلزم كفرا : إنه يحضر ويوقف على لازم قوله فإن فهمه والتزم ما يلزمه حينئذ يعتبر