منهما الفريق الآخر. فالترائي تفاعل لأنه حصول الفعل من الجانبين.
وقولهم : (إِنَّا لَمُدْرَكُونَ) بالتأكيد لشدة الاهتمام بهذا الخبر وهو مستعمل في معنى الجزع. و (كَلَّا) ردع. وتقدم في سورة مريم [٧٩] (كَلَّا سَنَكْتُبُ ما يَقُولُ) ردع به موسى ظنهم أنهم يدركهم فرعون ، وعلّل ردعهم عن ذلك بجملة : (إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ).
وإسناد المعية إلى الرب في (إِنَّ مَعِي رَبِّي) على معنى مصاحبة لطف الله به وعنايته بتقدير أسباب نجاته من عدوه. وذلك أن موسى واثق بأن الله منجيه لقوله تعالى : (إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ) [الشعراء : ١٥] ، وقوله : (أَسْرِ بِعِبادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ) [الشعراء : ٥٢] كما تقدم آنفا أنه وعد بضمان النجاة.
وجملة : (سَيَهْدِينِ) مستأنفة أو حال من (رَبِّي). ولا يضر وجود حرف الاستقبال لأن الحال مقدرة كما في قوله تعالى حكاية عن إبراهيم (قالَ إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ) [الصافات : ٩٩]. والمعنى : أنه سيبيّن لي سبيل سلامتنا من فرعون وجنده. واقتصر موسى على نفسه في قوله : (إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ) لأنهم لم يكونوا عالمين بما ضمن الله له من معيّة العناية فإذا علموا ذلك علموا أن هدايته تنفعهم لأنه قائدهم والمرسل لفائدتهم. ووجه اقتصاره على نفسه أيضا أن طريق نجاتهم بعد أن أدركهم فرعون وجنده لا يحصل إلا بفعل يقطع دابر العدوّ ، وهذا الفعل خارق للعادة فلا يقع إلا على يد الرسول. وهذا وجه اختلاف المعية بين ما في هذه الآية وبين ما في قوله تعالى في قصة الغار (إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا) [التوبة : ٤٠] لأن تلك معية حفظهما كليهما بصرف أعين الأعداء عنهما ، وقد أمره الله أن يضرب بعصاه البحر وانفلق البحر طرقا مرّت منها أسباط بني إسرائيل ، واقتحم فرعون البحر فمدّ البحر عليهم حين توسطوه فغرق جميعهم.
والفرق بكسر الفاء وسكون الراء : الجزء المفروق منه ، وهو بمعنى مفعول مثل الفلق. والطود : الجبل.
و (أَزْلَفْنا) قربنا وأدنينا ، مشتق من الزلف بالتحريك وهو القرب. والظاهر أن فعله كفرح. ويقال : ازدلف : اقترب ، وتزلف : تقرب ، فهمزة (أَزْلَفْنا) للتعدية.
والمعنى أن الله جرأهم حتى أرادوا اقتحام طرق البحر كما رأوا فعل بني إسرائيل يظنون أنه ماء غير عميق.
والآخرون : هم قوم فرعون لوقوعه في مقابلة فريق بني إسرائيل.