الخلق والإحياء والإماتة ليست من شئون الأصنام وأنها من فعل الله تعالى كما يعتقد المشركون من العرب فظاهر.
وتكرير اسم الموصول في المواضع الثلاثة مع أن مقتضى الظاهر أن تعطف الصلتان على الصلة الأولى للاهتمام بصاحب تلك الصلات الثلاث لأنها نعت عظيم لله تعالى فحقيق أن يجعل مستقلا بدلالته.
وأطلق على رجاء المغفرة لفظ الطمع تواضعا لله تعالى ومباعدة لنفسه عن هاجس استحقاقه المغفرة وإنما طمع في ذلك لوعد الله بذلك.
والخطيئة : الذنب. يقال : خطئ إذا أذنب. وتقدم في قوله تعالى : (نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ) في البقرة [٥٨]. والمقصود في لسان الشرائع : مخالفة ما أمر به الشرع. وإذ قد كان إبراهيم حينئذ نبيئا والأنبياء معصومون من الذنوب كبيرها وصغيرها فالخطيئة منهم هي مخالفة مقتضى المقام النبوي.
والمغفرة : العفو عن الخطايا ، وإنما قيده ب (يَوْمَ الدِّينِ) لأنه اليوم الذي يظهر فيه أثر العفو ، فأما صدور العفو من الله لمثل إبراهيم عليهالسلام ففي الدنيا ، وقد يغفر خطايا بعض الخاطئين يوم القيامة بعد الشفاعة.
ويوم الدين : هو يوم الجزاء ، وهذا الكلام خبر يتضمن تعريضا بالدعاء. وقد أشار في هذه النعوت إلى ما هو من تصرفات الله في العالم الحسي بحيث لا يخفى عن أحد قصدا لاقتصاص إيمان المشركين إن راموا الاهتداء.
وفي تلك النعوت إشارة إلى أنها مهيئات للكمال النفساني فقد جمعت كلمات إبراهيم عليهالسلام مع دلالتها على انفراد الله بالتصرف في تلك الأفعال التي هي أصل أطوار الخلق الجسماني دلالة أخرى على جميع أصول النعم من أول الخلق إلى الخلق الثاني وهو البعث ، فذكر خلق الجسد وخلق العقل وإعطاء ما به بقاء المخلوق وهو الغذاء والماء ، وما يعتري المرء من اختلال المزاج وشفائه ، وذكر الموت الذي هو خاتمة الحياة الأولى ، وأعقبه بذكر الحياة الثانية للإشارة إلى أن الموت حالة لا يظهر كونها نعمة إلا بغوص فكر ولكن وراءه حياة هي نعمة لا محالة لمن شاء أن تكون له نعمة.
وحذفت ياءات المتكلم من (يَهْدِينِ) ، و (يَسْقِينِ) ، و (يَشْفِينِ) ، و (يُحْيِينِ) لأجل التخفيف ورعاية الفاصلة لأنها يوقف عليها ، وفواصل هذه السورة أكثرها بالنون الساكنة ، وقد تقدم