مهانة نفسية من جهة أصله لا من جهة ذاته. وفي الحديث أنه يؤتى بأبي إبراهيم يوم القيامة في صورة ذيخ (أي ضبع ذكر) فيلقى في النار فلا يشعر به أهل الموقف فذلك إجابة قوله : (وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ) أي قطعا لما فيه شائبة الخزي.
وتقدم الكلام على معنى الخزي عند تفسير قوله تعالى : (إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) في سورة البقرة [٨٥]. وقوله : (إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ) في آل عمران [١٩٢].
وضمير (يُبْعَثُونَ) راجع إلى العباد المعلوم من المقام.
وجملة : (إِنَّهُ كانَ مِنَ الضَّالِّينَ) تعليل لطلب المغفرة لأبيه فيه إيماء إلى أنه سأل له مغفرة خاصة وهي مغفرة أكبر الذنوب أعني الإشراك بالله ، وهو سؤال اقتضاه مقام الخلّة وقد كان أبوه حيا حينئذ لقوله في الآية الأخرى : (قالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا) [مريم : ٤٧]. ولعلّ إبراهيم علم من حال أبيه أنه لا يرجى إيمانه بما جاء به ابنه ؛ أو أن الله أوحى إليه بذلك ما ترشد إليه آية (وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ) [التوبة : ١١٤]. ويجوز أنه لم يتقرر في شرع إبراهيم حينئذ حرمان المشركين من المغفرة فيكون ذلك من معنى قوله تعالى : (فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ) [التوبة : ١١٤]. ويجوز أن يكون طلب الغفران له كناية عن سبب الغفران وهو هدايته إلى الإيمان.
و (يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ) إلخ يظهر أنه من كلام إبراهيم عليهالسلام فيكون (يَوْمَ لا يَنْفَعُ) بدلا من (يَوْمَ يُبْعَثُونَ) قصد به إظهار أن الالتجاء في ذلك اليوم إلى الله وحده ولا عون فيه بما اعتاده الناس في الدنيا من أسباب الدفع عن أنفسهم.
واستظهر ابن عطية : أن الآيات التي أولها (يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ) يريد إلى قوله : (فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) [الشعراء : ١٠٢] منقطعة عن كلام إبراهيم عليهالسلام وهي إخبار من الله تعالى صفة لليوم الذي وقف إبراهيم عنده في دعائه أن لا يخزى فيه اه. وهو استظهار رشيق فيكون : (يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ) استئنافا خبرا لمبتدإ محذوف تقديره : هو يوم لا ينفع مال ولا بنون. وفتحة (يَوْمَ) فتحة بناء لأن (يوم) ظرف أضيف إلى فعل معرب فيجوز إعرابه ويجوز بناؤه على الفتح ، فهو كقوله تعالى : (هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ) [المائدة : ١١٩]. ويظهر على هذا الوجه أن يكون المراد ب (مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) الإشارة إلى إبراهيم عليهالسلام لأن الله تعالى وصفه بمثل هذا في آية سورة