الصافات [٨٣ ، ٨٤] في قوله : (وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ) (أي شيعة نوح) (لَإِبْراهِيمَ إِذْ جاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ).
وفيه أيضا تذكير قومه بأن أصنامهم لا تغني عنهم شيئا ، ونفي نفع المال صادق بنفي وجود المال يومئذ من باب «على لاحب لا يهتدى بمناره» ، أي لا منار له فيهتدى به ، وهو استعمال عربي إذا قامت عليه القرينة. ومن عبارات علم المنطق «السّالبة تصدق بنفي الموضوع».
والاقتصار على المال والبنين في نفي النافعين جرى على غالب أحوال القبائل في دفاع أحد عن نفسه بأن يدافع إما بفدية وإما بنجدة (وهي النصر) ، فالمال وسيلة الفدية ، والبنون أحق من ينصرون أباهم ، ويعتبر ذلك النصر عندهم عهدا يجب الوفاء به. قال قيس ابن الخطيم :
ثأرت عديّا والخطيم ولم أضع |
|
ولاية أشياخ جعلت إزاءها |
واقتضى ذلك أن انتفاء نفع ما عدا المال والبنين من وسائل الدفاع حاصل بالأولى بحكم دلالة الاقتضاء المستندة إلى العرف. فالكلام من قبيل الاكتفاء ، كأنه قيل : يوم لا ينفع مال ولا بنون ولا شيء آخر. وقوله : (إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) استثناء من مفعول (يَنْفَعُ) ، أي إلّا منفوعا أتى الله بقلب سليم.
هذا معنى الآية وهو مفهوم للسامعين فلذلك لم يؤثر عن أحد من سلف المفسرين عدّ هذه الآية من متشابه المعنى وإنما أعضل على خلفهم طريق استخلاص هذا المعنى المجمل من تفاصيل أجزاء تركيب الكلام. وذكر صاحب «الكشاف» احتمالات لا يسلم شيء منها من تقدير حذف ، فبنا أن نفصّل وجه استفادة هذا المعنى من نظم الآية بوجه يكون أليق بتركيبها دون تكلف.
فاعلم أن فعل (يَنْفَعُ) رافع لفاعل ومتعدّ إلى مفعول ، فهو بحقّ تعدّيه إلى المفعول يقتضي مفعولا ، كما يصلح لأن تعلّق به متعلقات بحروف تعدية ، أي حروف جر ، وإن أول متعلقاته خطورا بالذهن متعلق سبب الفعل ، فيعلم أن قوله : (يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ* إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) يشير إلى فاعل (يَنْفَعُ) ومفعوله وسببه الذي يحصل به ، فقوله : (بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) هو المتعلق بفعل (أَتَى اللهَ) لأن فاعل الإتيان إلى الله هو المنفوع فهو في المعنى مفعول فعل (يَنْفَعُ) والمتعلّق بأحد فعليه وهو فعل (أَتَى) الذي