هو فاعله متعلّق في المعنى بفعله الآخر وهو (يَنْفَعُ) الذي (مَنْ أَتَى اللهَ) مفعوله. فعلم أن تقدير الكلام : يوم لا ينفع نافع أو شيء ، أو نحو ذلك مما يفيد عموم نفي النافع ، حسبما دل عليه (مالٌ) ـ و ـ (بَنُونَ) من عموم الأشياء كما قررنا. وحذف مفعول (يَنْفَعُ) لقصد العموم كحذفه في قوله تعالى : (وَاللهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ) [يونس : ٢٥] أي يدعو كل أحد ، فتحصل أن التقدير : يوم لا ينفع أحدا شيء يأتي به للدفع عن نفسه.
والمستثنى وهو (مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) متعيّن لأن يكون استثناء من مفعول (يَنْفَعُ) وليس مستثنى من فاعل (يَنْفَعُ) لأن من أتى الله بقلب سليم يومئذ هو منفوع لا نافع فليس مستثنى من صريح أحد الاسمين السابقين قبله ، ولا مما دلّ عليه الاسمان من المعنى الأعمّ الذي قدرناه بمعنى : «ولا غيرهما» ، فتمحض أن يكون هذا المستثنى مخرجا من عموم مفعول (يَنْفَعُ). وتقديره : إلا أحدا أتى الله بقلب سليم ، أي فهو منفوع ، واستثناؤه من مفعول فعل (يَنْفَعُ) يضطرنا إلى وجوب تقدير نافعه فاعل فعل (يَنْفَعُ) ، أي فإنه نفعه شيء نافع. ويبيّن إجماله متعلق فعل (يَنْفَعُ) وهو (بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) إذ كان القلب السليم سبب النفع فهو أحد أفراد الفاعل العام المقدر بلفظ «شيء» كما تقدم آنفا.
فالخلاصة أن الذي يأتي الله يومئذ بقلب سليم هو منفوع بدلالة الاستثناء وهو نافع (أي نافع نفسه) بدلالة المجرور المتعلّق بفعل (أَتَى) ، فإن القلب السليم قلب ذلك الشخص المنفوع فصار ذلك الشخص نافعا ومنفوعا باختلاف الاعتبار ، وهو ضرب من التجريد. وقريب من وقوع الفاعل مفعولا في باب ظن في قولهم : خلتني ورأيتني ، فجعل القلب السليم سببا يحصل به النفع ، ولهذا فالاستثناء متصل مفرّغ عن المفعول. وقد حصل من نسج الكلام على هذا المنوال إيجاز مغن أضعاف من الجمل المطوية. وجعل الاستثناء منقطعا لا يدفع الإشكال.
والقلب : الإدراك الباطني.
والسليم : الموصوف بقوة السلامة ، والمراد بها هنا السلامة المعنوية المجازية ، أي الخلوص من عقائد الشرك مما يرجع إلى معنى الزكاء النفسي. وضدّه المريض مرضا مجازيا قال تعالى : (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) [البقرة : ١٠]. والاقتصار على السليم هنا لأن السلامة باعث الأعمال الصالحة الظاهرية وإنما تثبت للقلوب هذه السلامة في الدنيا باعتبار الخاتمة فيأتون بها سالمة يوم القيامة بين يدي ربّهم.