أوله بالواو يجعله في حكم المعطوف على كلام قومه تنبيها على اتصاله بكلامهم. وذلك كناية عن مبادرته بالجواب كما في قوله تعالى حكاية عن إبراهيم عليهالسلام (قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) [البقرة : ١٢٤] بعد قوله : (قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً) [البقرة : ١٢٤]. ويسمى عطف تلقين مراعاة لوقوعه في تلك الآية والأولى أن يسمى عطف تكميل.
وأما معناه فهو استفهام مؤذن بأن قومه فصّلوا إجمال وصفهم أتباعه بالأرذلين بأن بينوا أوصافا من أحوال أهل الحاجة الذين لا يعبأ الناس بهم فأتى بالاستفهام عن علمه استفهاما مستعملا في قلة الاعتناء بالمستفهم عنه ، وهو كناية عن قلة جدواه لأن الاستفهام عن الشيء يؤذن بالجهل به ، والجهل تلازمه قلة العناية بالمجهول وضعف شأنه ، كما يقال لك : يهدّدك فلان ، فتقول : وما فلان ، أي لا يعبأ به. وفي خبر وهب بن كيسان عن جابر ابن عبد الله أن أبا عبيدة كان يقوتنا كلّ يوم تمرة فقال وهب : قلت وما تغني عنكم تمرة.
والمعنى : أي شيء علمي بما كانوا يعملون حتى اشتغل بتحصيل علم ما كانوا يعملون وأعمالهم بما يناسب مراتبهم فأنا لا أهتم بما قبل إيمانهم.
وضمن (عِلْمِي) معنى اشتغالي واهتمامي فعدّي بالباء.
و (بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) موصول ما صدقه الحالة لأن الحالة لا تخلو من عمل. فالمعنى: وما علمي بأعمالهم. وهذا كما يقال في السؤال عن أحد : ما ذا فعل فلان؟ أي ما خبره وما حاله؟ ومنه قول النبي صلىاللهعليهوسلم للصبي الأنصاري : «يا أبا عمير ما فعل النغير» لطائر يسمى النغر (بوزن صرد) وهو من نوع البلبل كان عند الصبي يلعب به ، ومنه قوله لمن سأله عن الذين ماتوا من صبيان المشركين : «الله أعلم بما كانوا عاملين» أي الله أعلم بحالهم ، فهو إمساك عن الجواب. وقريب منه قول العرب : ما باله ، أي ما حاله؟.
وفعل (كانُوا) مزيد بين (ما) الموصولة وصلتها لإفادة التأكيد ، أي تأكيد مدلول «ما علمي بما يعملون». والمعنى : أي شيء علمي بما يعملون. وليس المراد بما كانوا عملوه من قبل. والواو في قوله : (بِما كانُوا) فاعل وليست اسما ل (كان) لأن (كان) الزائدة لا تنصب الخبر.
وشمل قوله : (بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) جميع أحوالهم في دينهم ودنياهم في الماضي والحال والمستقبل والظاهر والباطن.
والحساب حقيقته : العدّ ، واستعمل في معنى تمحيض الأعمال وتحقيق ظواهرها وبواطنها بحيث لا يفوت منها شيء أو يشتبه.