وقد اختلفت أقوال المفسّرين في تعيين البناء والآيات والمصانع كما سيأتي. وفي بعض ما قالوه ما هو متمحّض للهو والعبث والفساد ، وفي بعضه ما الأصل فيه الإباحة ، وفي بعضه ما هو صلاح ونفع كما سيأتي.
وموقع جملة : (أَتَبْنُونَ) في موضع بدل الاشتمال لجملة : (أَلا تَتَّقُونَ) [الشعراء : ١٢٤] فإن مضمونها مما يشتمل عليه عدم التقوى الذي تسلط عليه الإنكار وهو في معنى النفي.
والرّيع بكسر الراء : الشّرف ، أي المكان المرتفع ، كذا عن ابن عباس ، والطريق والفج بين الجبلين ، كذا قال مجاهد وقتادة.
والآية : العلامة الدلالة على الطريق ، وتطلق الآية على المصنوع المعجب لأنه يكون علامة على إتقان صانعه أو عظمة صاحبه.
و (كل) مستعمل في الكثرة ، أي في الأرياع المشرفة على الطرق المسلوكة ، والعبث:العمل الذي لا فائدة نفع فيه.
والمصانع : جمع مصنع وأصله مفعل مشتق من صنع فهو مصدر ميمي وصف به للمبالغة ، فقيل : هو الجابية المحفورة في الأرض. وروي عن قتادة : مبنية بالجير يخزن بها الماء ويسمّى صهريجا وماجلا ، وقيل : قصور وهو عن مجاهد.
وكانت بلاد عاد ما بين عمان وحضرموت شرقا وغربا ومتغلغلة في الشمال إلى الرمال وهي الأحقاف.
وجملة : (لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ) مستأنفة. و (لعل) للترجي ، وهو طلب المتكلم شيئا مستقرب الحصول ، والكلام تهكّم بهم ، أي أرجو لكم الخلود بسبب تلك المصانع. وقيل : جعلت عاد بنايات على المرتفعات على الطرق يعبثون فيها ويسخرون بالمارة. وقد يفسر هذا القول بأن الأمة في حال انحطاطها حولت ما كان موضوعا للمصالح إلى مفاسد فعمدوا إلى ما كان مبنيا لقصد تيسير السير والأمن على السابلة من الضلال في الفيافي المهلكة فجعلوه مكامن لهو وسخرية ، كما اتخذت بعض أديرة النصارى في بلاد العرب مجالس خمر ، وكما أدركنا الصهاريج التي في قرطاجنة كانت خزّانا لمياه زغوان المنسابة إليها على الحنايا فرأيناها مكامن للّصوص ومخازن للدواب إلى أول هذا القرن سنة ١٣٠٣ ه.