أن ضمير القرآن لا يراد به ذات القرآن ، أي ألفاظه المنزلة على النبي صلىاللهعليهوسلم إذ ليست سور القرآن وآياته مسطورة في زبر الأولين بلفظها كله فتعين أن يكون الضمير للقرآن باعتبار اسمه ووصفه الخاص أو باعتبار معانيه. فأما الاعتبار الأوّل فالضمير مؤول بالعود إلى اسم القرآن كقوله تعالى : (الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ) [الأعراف : ١٥٧] ، أي يجدون اسمه ووصفه الذي يعيّنه. فالمعنى أن ذكر القرآن وارد في كتب الأولين ، أي جاءت بشارات بمحمد صلىاللهعليهوسلم وأنه رسول يجيء بكتاب. ففي سفر التثنية من كتب موسى عليهالسلام في الإصحاح الثامن عشر قول موسى : «قال لي الرب : أقيم لهم نبيئا من وسط إخوتهم مثلك ، وأجعل كلامي في فمه فيكلمهم بكل ما أوصيه به» إذ لا شك أن إخوة بني إسرائيل هم العرب كما ورد في سفر التكوين في الإصحاح السادس عشر عند ذكر الحمل بإسماعيل «وأمام جميع إخوته يسكن» أي لا يسكن معهم ولكن قبالتهم. ولم يأت نبيء بوحي مثل موسى بشرع كشرع موسى غير محمد صلىاللهعليهوسلم ، وكلام الله المجعول في فمه هو القرآن الموحى به إليه وهو يتلوه.
وفي إنجيل متّى الإصحاح الرابع والعشرين قال عيسى عليهالسلام : «ويقوم أنبياء كذبة كثيرون ويضلون كثيرا .... ولكن الذي يصبر إلى المنتهى (أي يدوم إلى آخر الدهر أي دينه إذ لا خلود للأشخاص) فهذا يخلص ويكرز (أي يدعو) ببشارة الملكوت هذه في كل المسكونة (أي الأرض المأهولة) شهادة لجميع الأمم (رسالة عامة) ثم يأتي المنتهى (أي نهاية العالم)».
فالبشارة هي الوحي وهو القرآن وهو الكتاب الذي دعا جميع الأمم ، قال تعالى : (تابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) [إبراهيم : ١] وقال : (وَلَقَدْ صَرَّفْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ) [الإسراء : ٨٩].
وفي إنجيل يوحنا قول المسيح الإصحاح الرابع عشر : «وأنا أطلب من الأب فيعطيكم معزيا (أي رسولا) آخر ليمكث معكم إلى الأبد (هذا هو دوام الشريعة) روح الحق الذي لا يستطيع العالم أن يقبله (إشارة إلى تكذيب المكذبين) لأنه لا يراه ولا يعرفه». ثم قال : «وأما المعزي الروح القدس الذي سيرسله الأب باسمي (أي بوصف الرسالة) فهو يعلمكم كلّ شيء ويذكركم بكل ما قلته لكم (وهذا التعليم لكل شيء هو القرآن ما فرطنا في الكتاب من شيء)».
وأما الاعتبار الثاني فالضمير مؤوّل بمعنى مسماه كقولهم : عندي درهم ونصفه ، أي