الكلام ، لأن أسماء الاستفهام تضمنت معنى الاسمية وهو أصلها ، وتضمنت معنى همزة الاستفهام كما تضمنته (هَلْ) ، فإذا لزم مجيء حرف الجر مع أسماء الاستفهام ترجح فيها جانب الاسمية فدخل الحرف عليها ولم تقدّم هي عليه ، فلذلك تقول : أعلى زيد مررت؟ ولا تقول : من على مررت؟ وإنما تقول : على من مررت؟ وكذا في بقية أسماء الاستفهام نحو (عَمَّ يَتَساءَلُونَ) [النبأ : ١] ، (مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ) [عبس : ١٨] ، وقولهم : علام ، وإلام ، وحتّام ، و (فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها) [النازعات : ٤٣].
وأجيب الاستفهام هنا بقوله : (تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ).
و (كُلِ) هنا مستعملة في معنى التكثير ، أي على كثير من الأفّاكين وهم الكهان ، قال النابغة :
وكلّ صموت نثلة تبّعيّة |
|
ونسج سليم كلّ قمصاء ذائل |
والأفاك كثير الإفك ، أي الكذب ، والأثيم كثير الإثم. وإنما كان الكاهن أثيما لأنه يضم إلى كذبه تضليل الناس بتمويه أنه لا يقول إلا صدقا ، وأنه يتلقى الخبر من الشياطين التي تأتيه بخبر السماء.
وجعل للشياطين (تَنَزَّلُ) لأن اتصالها بنفوس الكهان يكون بتسلسل تموجات في الأجواء العليا كما تقدم في سورة الحجر.
و (يُلْقُونَ السَّمْعَ) صفة ل (كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ) ، أي يظهرون أنهم يلقون أسماعهم عند مشاهدة كواكب لتتنزل عليهم شياطينهم بالخبر ، وذلك من إفكهم وإثمهم.
وإلقاء السمع : هو شدة الإصغاء حتى كأنه إلقاء للسمع من موضعه ، شبه توجيه حاسة السمع إلى المسموع الخفي بإلقاء الحجر من اليد إلى الأرض أو في الهواء قال تعالى : (أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) [ق : ٣٧] ، أي أبلغ في الإصغاء ليعي ما يقال له.
وهذا كما أطلق عليه إصغاء ، أي إمالة السمع إلى المسموع.
وقوله : (وَأَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ) أي أكثر هؤلاء الأفاكين كاذبون فيما يزعمون أنهم تلقوه من الشياطين وهم لم يتلقوا منها شيئا ، أي وبعضهم يتلقى شيئا قليلا من الشياطين فيكذب عليه أضعافه.
ففي الحديث الصحيح أن النبي صلىاللهعليهوسلم سئل عن الكهان فقال : «ليسوا بشيء» قيل: يا