والتغيظ : شدة الغيظ. والغيظ : الغضب الشديد ، وتقدم عند قوله : (عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ) في سورة آل عمران [١١٩]. فصيغة التفعل هنا الموضوعة في الأصل لتكلف الفعل مستعملة مجازا في قوته لأن المتكلف لفعل يأتي به كأشد ما يكون.
والمراد به هنا صوت المتغيظ ، بقرينة تعلقه بفعل : (سَمِعُوا) فهو تشبيه بليغ.
والزفير : امتداد النفس من شدة الغيظ وضيق الصدر ، أي صوتا كالزفير فهو تشبيه بليغ أيضا. ويجوز أن يكون الله قد خلق لجهنم إدراكا للمرئيات بحيث تشتد أحوالها عند انطباع المرئيات فيها فتضطرب وتفيض وتتهيأ لالتهام بعثها فتحصل منها أصوات التغيظ والزفير فيكون إسناد الرؤية والتغيظ والزفير حقيقة ، وأمور العالم الأخرى لا تقاس على الأحوال المتعارفة في الدنيا.
وعلى هذين الاحتمالين يحمل ما ورد في القرآن والحديث نحو قوله تعالى : (يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ) [ق : ٣٠] ، وقول النبي صلىاللهعليهوسلم : «اشتكت النار إلى ربها فقالت يا رب أكل بعضي بعضا ، فأذن لها بنفسين نفس في الصيف ونفس في الشتاء» رواه في «الموطأ» : زاد في رواية مسلم : «فما ترون من شدة البرد فذلك من زمهريرها وما ترون من شدة الحر فهو من سمومها».
وجعل إزجاؤهم إلى النار من مكان بعيد زيادة في الكناية بهم لأن بعد المكان يقتضي زيادة المشقة إلى الوصول ويقتضي طول الرعب مما سمعوا.
ووصف وصولهم إلى جهنم من مكان بعيد ووضعهم فيها بقوله : (وَإِذا أُلْقُوا مِنْها مَكاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً) فصيغ نظمه في صورة توصيف ضجيج أهل النار من قوله : (دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً) ، وأدمج في خلال ذلك وصف داخل جهنم ووصف وضع المشركين فيها بقوله : (مَكاناً ضَيِّقاً) وقوله : (مُقَرَّنِينَ) تفننا في أسلوب الكلام.
والإلقاء : الرمي. وهو هنا كناية عن الإهانة.
وانتصب (مَكاناً) على نزع الخافض ، أي في مكان ضيّق.
وقرأ الجمهور (ضَيِّقاً) بتشديد الياء ، وقرأه ابن كثير (ضَيِّقاً) بسكون الياء وكلاهما للمبالغة في الوصف مثل : ميّت وميت ، لأن الضيّق بالتشديد صيغة تمكّن الوصف من الموصوف ، والضيق بالسكون وصف بالمصدر.