معنى البركة في قوله تعالى : (لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً) في آل عمران [٩٦] ، وقوله (وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ) في سورة هود [٤٨]. و (أن) تفسيرية لفعل (نُودِيَ) لأن فيه معنى القول دون حروفه ، أي نودي بهذا الكلام.
و (مَنْ فِي النَّارِ) مراد به موسى فإنه لما حل في موضع النور صار محيطا به فتلك الإحاطة تشبه إحاطة الظرف بالمظروف ، فعبر عنه ب (مَنْ فِي النَّارِ) وهو نفسه.
والعدول عن ذكره بضمير الخطاب كما هو مقتضى الظاهر ، أو باسمه العلم إن أريد العدول عن مقتضى الظاهر ، لأن في معنى صلة الموصول إيناسا له وتلطفا كقول النبيصلىاللهعليهوسلم لعليّ «قم أبا تراب» وكثير التلطف بذكر بعض ما التبس به المتلطّف به من أحواله. وهذا الكلام خبر هو بشارة لموسى عليهالسلام ببركة النبوءة.
ومن حول النار : هو جبريل الذي أرسل إليه بما نودي به والملائكة الذين وكل إليهم إنارة المكان وتقديسه إن كان النداء بغير واسطة جبريل بل كان من لدن الله تعالى. فهذا التبريك تبريك ذوات لا تبريك مكان بدليل ذكر (مَنْ) الموصولة في الموضعين ، وهو تبريك الاصطفاء الإلهي بالكرامة. وقيل إن قوله (أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ) إنشاء تحية من الله تعالى إلى موسى عليهالسلام كما كانت تحية الملائكة لإبراهيم (رَحْمَتُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ) [هود : ٧٣] أي أهل هذا البيت الذي نحن فيه.
و (سُبْحانَ اللهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) عطف على ما نودي به موسى على صريح معناه إخبارا بتنزيه الله تعالى عما لا يليق بإلهيته من أحوال المحدثات ليعلم موسى أمرين : أحدهما أن النداء وحي من الله تعالى ، والثاني أن الله منزه عما عسى أن يخطر بالبال أن جلالته في ذلك المكان. ويجوز أن يكون (سُبْحانَ اللهِ) مستعملا للتعجيب من ذلك المشهد وأنه أمر عظيم من أمر الله تعالى وعنايته يقتضي تذكّر تنزيهه وتقديسه.
وفي حذف متعلق التنزيه إيذان بالعموم المناسب لمصدر التنزيه وهو عموم الأشياء التي لا يليق إثباتها لله تعالى وإنما يعلم تفصيلها بالأدلة العقلية والشرعية.
فالمعنى : ونزّه الله تنزيها عن كل ما لا يليق به ، ومن أول تلك الأشياء تنزيهه عن أن يكون حالا في ذلك المكان.
وإرداف اسم الجلالة بوصف (رَبِّ الْعالَمِينَ) فيه معنى التعليل للتنزيه عن شئون المحدثات لأنه رب العالمين فلا يشبه شأنه تعالى شئونهم.