القصة مختلفة اختلاقا غير متقن.
ويجوز أن يخلق الله لها دلالة وللنمل الذي معها فهما لها وأن يخلق فيها إلهاما بأن الجيش جيش سليمان على سبيل المعجزة له.
والحطم : حقيقته الكسر لشيء صلب. واستعير هنا للرفس بجامع الإهلاك. و (لا يَحْطِمَنَّكُمْ) إن جعلت (لا) فيه ناهية كانت الجملة مستأنفة تكريرا للتحذير ودلالة على الفزع لأن المحذّر من شيء مفزع يأتي بجمل متعددة للتحذير من فرط المخافة والنهي عن حطم سليمان إياهن كناية عن نهيهن عن التسبب فيه وإهمال الحذر منه كما يقال : لا أعرفنك تفعل كذا ، أي لا تفعله فأعرفك بفعله ، والنون توكيد للنهي ؛ وإن جعلت (لا) نافية كانت الجملة واقعة في جواب الأمر فكان لها حكم جواب شرط مقدّر. فالتقدير : إن تدخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان ، أي ينتف حطم سليمان إياكنّ ، وإلّا حطمكم. وهذا مما جوّزه في «الكشاف». وفي هذا الوجه كون الفعل مؤكدا بالنون وهو منفي ب (لا) وذلك جائز على رأي المحققين إلا أنه قليل. وأما من منعه من النحاة فيمنع أن تجعل (لا) نافية هنا. وصاحب «الكشاف» جعله من اقتران جواب الشرط بنون التوكيد لأن جواب الأمر في الحكم جواب الشرط وهو عنده أخف من دخولها في الفعل المنفي بناء على أن النفي يضاد التوكيد.
وتسمية سليمان في حكاية كلام النملة يجوز أن تكون حكاية بالمعنى وإنما دلت دلالة النملة على الحذر من حطم ذلك المحاذي لواديها ، فلما حكيت دلالتها حكيت بالمعنى لا باللفظ ، ويجوز أن يكون قد خلق الله علما في النملة علمت به أن المارّ بها يدعى سليمان على سبيل المعجزة وخرق العادة.
وتبسّم سليمان من قولها تبسم تعجب. والتبسّم أضعف حالات الضحك فقوله : (ضاحِكاً) حال موكدة ل (فَتَبَسَّمَ) وضحك الأنبياء التبسّم ، كما ورد في صفة ضحك رسول الله صلىاللهعليهوسلم أو ما يقرب من التبسّم مثل بدوّ النواجذ كما ورد في بعض صفات ضحكه. وأما القهقهة فلا تكون للأنبياء ، وفي الحديث «كثرة الضحك تميت القلب». وإنما تعجب من أنها عرفت اسمه وأنها قالت : (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) فوسمته وجنده بالصلاح والرأفة وأنهم لا يقتلون ما فيه روح لغير مصلحة ، وهذا تنويه برأفته وعدله الشامل لكل مخلوق لا فساد منه أجراه الله على نملة ليعلم شرف العدل ولا يحتقر مواضعه ، وأن وليّ الأمر إذا عدل سرى عدله في سائر الأشياء وظهرت آثاره فيها حتى كأنه معلوم عند ما لا إدراك له،