يقولون طار حمامة ، لأن ذلك لا يفيد التفرقة. ألا ترى أنه لا يصلح أن يكون علامة على كون الفاعل أنثى ، ألا ترى إلى قول النابغة :
ما ذا رزئنا به من حيّة ذكر |
|
نضناضة بالرزايا صلّ أصلال |
فجاء باسم (حية) وهو اسم للجنس مقترن بهاء التأنيث ، ثم وصفه بوصف ذكر ثم أجرى عليه التأنيث في قوله : نضناضة ، لأنه صفة ل (حية).
وفي حديث ابن عباس عن صلاة العيد مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم «أقبلت راكبا على حمار أتان» فوصف (حمار) الذي هو اسم جنس باسم خاص بأنثاه. ولذلك فاقتران فعل (قالَتْ) هنا بعلامة التأنيث لمراعاة اللفظ فقط ، على أنه لا يتعلق غرض بالتمييز بين أنثى النمل وذكره بله أن يتعلق به غرض القرآن لأن القصد وقوع هذا الحادث وبيان علم سليمان لا فيما دون ذلك من السفاسف.
وذكر في «الكشاف» : أن قتادة دخل الكوفة فالتف عليه الناس فقال : سلوا عما شئتم ، وكان أبو حنيفة حاضرا وهو غلام حدث ، فقال لهم أبو حنيفة : سلوه عن نملة سليمان : أكانت ذكرا أم أنثى؟ فسألوه ، فأفحم. فقال أبو حنيفة : كانت أنثى. فقيل له: من أين عرفت؟ قال : من كتاب الله وهو قوله تعالى : (قالَتْ نَمْلَةٌ) ولو كانت ذكرا لقال : قال نملة. قال في «الكشاف» : وذلك أن النملة مثل الحمامة والشاة في وقوعها على الذكر والأنثى فيميز بينهما بعلامة نحو قولهم : حمامة ذكر وحمامة أنثى ، وقولهم : وهو وهي. اه.
ولعل مراد صاحب «الكشاف» إن كان قصد تأييد قولة أبي حنيفة أن يقاس على الوصف بالتذكير ما يقوم مقامه في الدلالة على التفرقة بين الذكر والأنثى فتقاس حالة الفعل على حالة الوصف ، إلا أن الزمخشري جاء بكلام غير صريح لا يدرى أهو تأييد لأبي حنيفة أم خروج من المضيق. فلم يقدم على التصريح بأن الفعل يقترن بتاء التأنيث إذا أريد التفرقة في حالة فاعله. وقد رد عليه ابن المنير في «الانتصاف» وابن الحاجب في «إيضاح المفصّل» والقزويني في «الكشف على الكشاف». ورأوا أن أبا حنيفة ذهل فيما قاله بأنه لا يساعد قول أحد من أئمة اللغة ولا يشهد به استعمال ولا سيما نحاة الكوفة ببلده فإنهم زادوا فجوزوا تأنيث الفعل إذا كان فعله علما مؤنث اللفظ مثل : طلحة وحمزة. واعلم أن إمامة أبي حنيفة في الدين والشريعة لا تنافي أن تكون مقالته في العربية غير ضليعة. وأعجب من ذهول أبي حنيفة انفحام قتادة من مثل ذلك الكلام. وغالب ظني أن