وجوز أن يكون (أَلَّا) كلمة واحدة بمعنى (هلّا) فإن هاءها تبدل همزة. وجعل (يَسْجُدُوا) مركبا من ياء النداء المستعملة تأكيدا للتنبيه وفعل أمر من السجود كقول ذي الرمة :
ألا يا اسلمي يا دار ميّ على البلى
وهو لا يلائم رسم المصحف إلا أن يقال : إنه رسم كذلك على خلاف القياس. وقرأ الكسائي بتخفيف اللام على أنها (ألا) حرف الاستفتاح ويتعين أن يكون (يَسْجُدُوا) مركبا من ياء النداء وفعل الأمر ، كما تقدم وفيه ما تقدم. والوقف في هذه على (ألا).
وتزيين الأعمال تقدم في أول السورة عند قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ) [النمل : ٤]. وإسناده هنا للشيطان حقيقي و (السَّبِيلِ) مستعار للدين الذي باتباعه تكون النجاة من العذاب وبلوغ دار الثواب.
و (الْخَبْءَ) : مصدر خبأ الشيء إذا أخفاه. أطلق هنا على اسم المفعول ، أي المخبوء على طريقة المبالغة في الخفاء كما هو شأن الوصف بالمصدر. ومناسبة وقوع الصفة بالموصول في قوله : (الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ) لحالة خبر الهدهد ظاهرة لأن فيها اطلاعا على أمر خفي. وإخراج الخبء : إبرازه للناس ، أي إعطاؤه ، أي إعطاء ما هو غير معلوم لهم من المطر وإخراج النبات وإعطاء الأرزاق ، وهذا مؤذن بصفة القدرة. وقوله : ويعلم ما يخافون وما يعلنون مؤذن بعموم صفة العلم.
وقرأ الجمهور : يخفون ... ويعلنون بياء الغيبة. وقرأه الكسائي وحفص عن عاصم بتاء الخطاب فهو التفات.
ومجيء جملة : (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) عقب ذلك استئناف هو بمنزلة النتيجة للصفات التي أجريت على اسم الجلالة وهو المقصود من هذا التذييل ، أي ليس لغير الله شبهة إلهية.
وقوله : (رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) أي مالك الفلك الأعظم المحيط بالعوالم العليا وقد تقدم. وفي هذا تعريض بأن عظمة ملك بلقيس وعظم عرشها ما كان حقيقا بأن يغرها بالإعراض عن عبادة الله تعالى لأن الله هو رب الملك الأعظم ، فتعريف (الْعَرْشِ) للدلالة على معنى الكمال. ووصفه ب (الْعَظِيمِ) للدلالة على كمال العظم في تجسم النفاسة.
وفي منتهى هذه الآية موضع سجود تلاوة تحقيقا للعمل بمقتضى قوله : (أَلَّا يَسْجُدُوا