فاعل (جاءَ) الركب المعهود في إرسال هدايا أمثال الملوك.
وقد أبى سليمان قبول الهدية لأن الملكة أرسلتها بعد بلوغ كتابه ولعلها سكتت عن الجواب عما تضمنه كتابه من قوله : (وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ) [النمل : ٣١] فتبيّن له قصدها من الهدية أن تصرفه عن محاولة ما تضمنه الكتاب ، فكانت الهدية رشوة لتصرفه عن بثّ سلطانه على مملكة سبأ.
والخطاب في (أَتُمِدُّونَنِ) لوفد الهدية لقصد تبليغه إلى الملكة لأن خطاب الرسل إنما يقصد به من أرسلهم فيما يرجع إلى الغرض المرسل فيه.
والاستفهام إنكاري لأن حال إرسال الهدية والسكوت عن الجواب يقتضي محاولة صرف سليمان عن طلب ما طلبه بما بذل له من المال ، فيقتضي أنهم يحسبونه محتاجا إلى مثل ذلك المال فيقتنع بما وجّه إليه.
ويظهر أن الهدية كانت ذهبا ومالا.
وقرأ الجمهور : (أَتُمِدُّونَنِ) بنونين. وقرأه حمزة وخلف بنون واحدة مشدّدة بالإدغام. والفاء لتفريع الكلام الذي بعدها على الإنكار السابق ، أي أنكرت عليكم ظنكم فرحي بما وجهتم إليّ لأنّ ما أعطاني الله خير مما أعطاكم ، أي هو أفضل منه في صفات الأموال من نفاسة ووفرة.
وسوق التعليل يشعر بأنه علم أن الملكة لا تعلم أن لدى سليمان من الأموال ما هو خير مما لديها ، لأنه لو كان يظن أنها تعلم ذلك لما احتاج إلى التفريع.
وهذا من أسرار الفرق في الكلام البليغ بين الواو والفاء في هذه الجملة فلو قال : وما آتاني الله خير مما آتاكم ، لكان مشعرا بأنها تعلم ذلك لأن الواو تكون واو الحال.
و (بَلْ) للإضراب الانتقالي وهو انتقال من إنكاره عليهم إمداده بمال إلى رد ذلك المال وإرجاعه إليهم.
وإضافة (بِهَدِيَّتِكُمْ) تشبيه ؛ تحتمل أن تكون من إضافة الشيء إلى ما هو في معنى المفعول ، أي بما تهدونه. ويجوز أن يكون شبيهة بالإضافة إلى ما هو في معنى المفعول ، أي بما يهدى إليكم. والخبر استعمل كناية عن رد الهدية للمهدي.
ومعنى : (تَفْرَحُونَ) يجوز أن يكون تسرّون ، ويجوز أن يكون تفتخرون ، أي أنتم