وفي (الْمَدِينَةِ) متعلق ب (كانَ) ظرفا لغوا ولا يحسن جعل الجملة استئنافا لأنها المقصود من القصة والمعنى : قال بعضهم لبعض.
و (تَقاسَمُوا) فعل أمر ، أي قال بعضهم : تقاسموا ، أي ابتدأ بعضهم فقال : تقاسموا. وهو يريد شمول نفسه إذ لا يأمرهم بذلك إلا وهو يريد المشاركة معهم في المقسم عليه كما دل عليه قوله : (لَنُبَيِّتَنَّهُ). فلما قال ذلك بعضهم توافقوا عليه وأعادوه فصار جميعهم قائلا ذلك فلذلك أسند القول إلى التسعة.
والقسم بالله يدل على أنهم كانوا يعترفون بالله ولكنهم يشركون به الآلهة كما تقدم في قصصهم فيما مرّ من السور.
و (لَنُبَيِّتَنَّهُ) جواب القسم ، والضمير عائد إلى صالح. والتبييت والبيات : مباغتة العدوّ ليلا. وعكسه التصبيح : الغارة في الصباح ، وكان شأن الغارات عند العرب أن تكون في الصباح ، ولذلك يقول من ينذر قوما بحلول العدوّ : «يا صباحاه» ، فالتبييت لا يكون إلا لقصد غدر. والمعنى : أنهم يغيرون على بيته ليلا فيقتلونه وأهله غدرا من حيث لا يعرف قاتله ثم ينكرون أن يكونوا هم قتلوهم ولا شهدوا مقتلهم.
والمهلك : مصدر ميمي من أهلك الرباعي ، أي شهدنا إهلاك من أهلكهم. وقولهم: (وَإِنَّا لَصادِقُونَ) هو من جملة ما هيّئوا أن يقولوه فهو عطف على (ما شَهِدْنا مَهْلِكَ) أي ونؤكد إنّا لصادقون. ولم يذكروا أنهم يحلفون على أنهم صادقون.
وقرأ الجمهور : (لَنُبَيِّتَنَّهُ) بنون الجماعة وفتح التاء التي قبل نون التوكيد. وقرأه حمزة والكسائي وخلف بتاء الخطاب في أوله وبضم التاء الأصلية قبل نون التوكيد. وذلك على تقدير : أمر بعضهم لبعض. وهكذا قرأ الجمهور (لَنَقُولَنَ) بنون الجماعة في أوله وفتح اللام. وقرأه حمزة والكسائي وخلف بتاء الخطاب وبضم اللام.
وقرأ الجمهور : (مَهْلِكَ) بضم الميم وفتح اللام وهو مصدر الإهلاك أو مكانه أو زمانه. وقرأه حفص بفتح الميم وكسر اللام ويحتمل المصدر والمكان والزمان. وقرأ أبو بكر عن عاصم بفتح الميم وفتح اللام فهو مصدر لا غير.
ووليّ صالح هم أقرب القوم له إذا راموا الأخذ بثأره.
وهذا الجزء من قصة ثمود لم يذكر في غير هذه السورة. وأحسب أن سبب ذكره أن نزول هذه السورة كان في وقت تآمر فيه المشركون على الإيقاع بالنبيء صلىاللهعليهوسلم ، وهو التآمر