على إزالة الشبهة.
ونون الجمع في (فَأَنْبَتْنا) التفات من الغيبة إلى الحضور. ومن لطائفه هنا التنصيص على أن المقصود إسناد الإنبات إليه لئلا ينصرف ضمير الغائب إلى الماء لأن التذكير بالمنبت الحقيقي الذي خلق الأسباب أليق بمقام التوبيخ على عدم رعايتهم نعمه.
والإنبات : تكوين النبات.
والحدائق : جمع حديقة وهي البستان والجنة التي فيها نخل وعنب. سميت حديقة لأنهم كانوا يحدقون بها حائطا يمنع الداخل إليها صونا للعنب لأنه ليس كالنخل الذي يعسر اجتناء ثمره لارتفاع شجره فهي بمعنى : محدق بها. ولا تطلق الحديقة إلا على ذلك.
والبهجة : حسن المنظر لأن الناظر يبتهج به.
ومعنى (ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها) ليس في ملككم أن تنبتوا شجر تلك الحدائق ، فاللام في (لَكُمْ) للملك و (أَنْ تُنْبِتُوا) اسم (كانَ) و (لَكُمْ) خبرها. وقدم الخبر على الاسم للاهتمام بنفي ملك ذلك.
وجملة (أَإِلهٌ مَعَ اللهِ) استئناف هو كالنتيجة للجملة قبلها لأن إثبات الخلق والرزق والإنعام لله تعالى بدليل لا يسعهم إلا الإقرار به ينتج أنه لا إله معه.
والاستفهام إنكاري. و (بَلْ) للإضراب عن الاستفهام الإنكاري تفيد معنى (لكن) باعتبار ما تضمنه الإنكار من انتفاء أن يكون مع الله إله فكان حق الناس أن لا يشركوا معه في الإلهية غيره فجيء بالاستدراك لأن المخاطبين بقوله (وَأَنْزَلَ لَكُمْ) وقوله (ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها) لم ينتفعوا بالدليل مع أنه دليل ظاهر مكشوف ، فهم مكابرون في إعراضهم عن الاهتداء بهذا الدليل ، فهم يعدلون بالله غيره ، أي يجعلون غيره عديلا مثيلا له في الإلهية مع أن غيره عاجز عن ذلك فيكون (يَعْدِلُونَ) من عدل الذي يتعدى بالباء ، أو يعدلون عن الحق من عدل الذي يعدّى ب (عن).
وسئل بعض العرب عن الحجاج فقال : «قاسط عادل» ، فظنوه أثنى عليه فبلغت كلمته للحجاج ، فقال : أراد قوله تعالى (وَأَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً) [الجن : ١٥] أي وذلك قرينة على أن المرار ب (عادل) أنه عادل عن الحق.