ذاتَ بَهْجَةٍ ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها أَإِلهٌ مَعَ اللهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (٦٠))
أم منقطعة بمعنى (بل) للإضراب الانتقالي من غرض إلى غرض مع مراعاة وجود معنى الاستفهام أو لفظه بعدها لأن (أم) لا تفارق معنى الاستفهام. انتقل بهذا الإضراب من الاستفهام الحقيقي التهكمي إلى الاستفهام التقريري ، ومن المقدمة الإجمالية وهي قوله (آللهُ خَيْرٌ) أما تشركون [النمل : ٥٩] ، إلى الغرض المقصود وهو الاستدلال. عدد الله الخيرات والمنافع من آثار رحمته ومن آثار قدرته. فهو استدلال مشوب بامتنان لأنه ذكرهم بخلق السموات والأرض فشمل ذلك كل الخلائق التي تحتوي عليها الأرض من الناس والعجماوات ، فهو امتنان بنعمة إيجادهم وإيجاد ما به قوام شئونهم في الحياة ، وبسابق رحمته ، كما عددها في موضع آخر عليهم بقوله (اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) [الروم :٤٠].
ومن للاستفهام. وهي مبتدأ والخبر جملة (خَلَقَ السَّماواتِ ..) إلخ وهو استفهام تقريري على أن الله إله واحد لا شريك له ، ولا تقدير في الكلام. وذهب الزمخشري وجميع متابعيه إلى أن (من) موصولة وأن خبرها محذوف دل عليه قوله فيما تقدم (آللهُ خَيْرٌ) [النمل : ٥٩] وأن بعد (أم) همزة استفهام محذوفة ، والتقدير : بل أمّن خلق السموات إلخ خير أم ما تشركون. وهو تفسير لا داعي إليه ولا يناسب معنى الإضراب لأنه يكون من جملة الغرض الأول على ما فسر به في «الكشاف» فلا يجدر به إضراب الانتقال.
فالاستفهام تقرير كما دل عليه قوله في نهايته في (أَإِلهٌ مَعَ اللهِ) ، فهو تقرير لإثبات أن الخالق والمنبت والرازق هو الله ، وهو مشوب بتوبيخ ، فلذلك ذيل بقوله (بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ) كما سيأتي ، أي من غرض الدليل الإجمالي إلى التفصيل.
والخطاب ب (لَكُمْ) موجه إلى المشركين للتعريض بأنهم ما شكروا نعمة الله.
وذكر إنزال الماء لأنه من جملة ما خلقه الله ، ولقطع شبهة أن يقولوا : إن المنبت للشجر الذي فيه رزقنا هو الماء ، اغترارا بالسبب فبودروا بالتذكير بأن الله خلق الأسباب وهو خالق المسببات بإزالة الموانع والعوارض العارضة لتأثير الأسباب وبتوفير القوى الحاصلة في الأسباب ، وتقدير المقادير المناسبة للانتفاع بالأسباب ، فقد ينزل الماء بإفراط فيجرف الزرع والشجر أو يقتلهما ، ولذلك جمع بين قوله (وَأَنْزَلَ) وقوله (فَأَنْبَتْنا) تنبيها