أتوا بالإنكار في صورة الاستفهام لتجهيل معتقد ذلك وتعجيزه عن الجواب بزعمهم. والتأكيد ب (إِنْ) لمجاراة كلام المردود عليه بالإنكار. والتأكيد تهكم.
وقرأ نافع وأبو جعفر (إِذا كُنَّا تُراباً) بهمزة واحدة هي همزة (إذا) على تقدير همزة استفهام محذوفة للتخفيف من اجتماع همزتين ، أو بجعل (إذا) ظرفا مقدّما على عامله والمستفهم عنه هو (إِنَّا لَمُخْرَجُونَ).
وقرأ أبو عمرو وعاصم وحمزة بهمزتين في (أَإِذا) ـ و (أَإِنَّا) على اعتبار تكرير همزة الاستفهام في الثانية لتأكيد الأولى ، إلا أن أبا عمرو خفف الثانية من الهمزتين في الموضعين وعاصما وحمزة حققاهما. وهؤلاء كلهم حذفوا نون المتكلم المشارك تخفيفا من الثقل الناشئ من وقوع نون المتكلم بعد نون (إن). وقرأ ابن عامر والكسائي (أَإِذا) بهمزتين وإننا بهمزة واحدة وبنونين اكتفاء بالهمزة الأولى للاستفهام ، وكلها استعمال فصيح.
وقد تقدم في سورة المؤمنين حكاية مثل هذه المقالة عن الذين كفروا إلا أن اسم الإشارة الأول وقع مؤخرا عن (نَحْنُ) في سورة المؤمنين [٨٣] ووقع مقدما عليه هنا ، وتقديمه وتأخيره سواء في أصل المعنى لأنه مفعول ثان ل (وُعِدْنا) وقع بعد نائب الفاعل في الآيتين. وإنما يتجه أن يسأل عن تقديمه على توكيد الضمير الواقع نائبا على الفاعل. وقد ناطها في «الكشاف» بأن التقديم دليل على أن المقدم هو الغرض المعتمد بالذكر وبسوق الكلام لأجله. وبينه السكاكي في «المفتاح» بأن ما وقع في سورة المؤمنين كان بوضع المنصوب بعد المرفوع وذلك موضعه. وأما ما في سورة النمل فقدم المنصوب على المرفوع لكونه فيها أهم ، يدلك على ذلك أن الذي قبله (إِذا كُنَّا تُراباً وَآباؤُنا) والذي قبل آية سورة المؤمنين (أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً) [المؤمنون : ٨٢] فالجهة المنظور فيها هناك (في سورة المؤمنين) هي كون أنفسهم ترابا وعظاما ، والجهة المنظور فيها هنا في سورة النمل هي كون أنفسهم وكون آبائهم ترابا لا جزء هناك من بناهم (جمع بنية) على ـ أي باقيا ـ صورة نفسه (أي على صورته التي كان عليها وهو حي). ولا شبهة أنها أدخل عندهم في تبعيد البعث فاستلزم زيادة الاعتناء بالقصد إلى ذكره فصيره هذا العارض أهم اه.
وحاصل الكلام أن كل آية حكت أسلوبا من مقالهم (بَلْ قالُوا مِثْلَ ما قالَ الْأَوَّلُونَ ... قالُوا أَإِذا مِتْنا) [المؤمنون : ٨١ ، ٨٢] (لَقَدْ وُعِدْنا هذا نَحْنُ وَآباؤُنا).