أفراده في المقام الخطابي ، أي من تمحضت حالته للحسنات أو كانت غالب أحواله كما يقتضيه قوله (وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ) ، وكذلك الذي كانت حالته متمحضة للسيئات أو غالبة عليه ، كما اقتضاه قوله (فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ).
و (خَيْرٌ مِنْها) اسم تفضيل اتصلت به (من) التفضيلية ، أي فله جزاء خير من حسنة واحدة لقوله تعالى في الآية الأخرى (فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها) [الأنعام : ١٦٠] أو خير منها شرفا لأن الحسنة من فعل العبد والجزاء عليها من عطاء الله.
وقوله (وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ) تبيين قوله آنفا (إِلَّا مَنْ شاءَ اللهُ) [النمل : ٨٧]. وهؤلاء هم الذين كانوا أهل الحسنات ، أي تمحضوا لها أو غلبت على سيئاتهم غلبة عظيمة بحيث كانت سيئاتهم من النوع المغفور بالحسنات أو المدحوض بالتوبة ورد المظالم. وكذلك قوله (وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ) ، أي غلبت سيئاتهم وغطت على حسناتهم أو تمحضوا للسيئات بأن كانوا غير مؤمنين أو كانوا من المؤمنين أهل الجرائم والشقاء. وبين أهل هاتين الحالتين أصناف كثيرة في درجات الثواب ودركات العقاب. وجماع أمرها أن الحسنة لها أثرها يومئذ عاجلا أو بالآخرة ، وأن السيئة لها أثرها السيئ بمقدارها ومقدار ما معها من أمثالها وما يكافئها من الحسنات أضدادها (فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً) [الأنبياء : ٤٧].
وقرأ الجمهور (مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ) بإضافة (فَزَعٍ) إلى (يوم) من (يَوْمَئِذٍ) وإضافة (يوم) إلى إذ ففتحة (يوم) فتحة بناء ، لأنه اسم زمان أضيف إلى اسم غير متمكن ف (فَزَعٍ) معرف بالإضافة إلى (يوم) و (يوم) معرف بالإضافة إلى (إذ) و (إذ) مضافة إلى جملتها المعوض عنها تنوين العوض. والتقدير : من فزع يوم إذ يأتون ربهم.
وقرأ عاصم وحمزة والكسائي بتنوين (فَزَعٍ) ، و (يَوْمَئِذٍ) منصوبا على المفعول فيه فيه متعلقا ب (آمِنُونَ). والمعنى واحد على القراءتين إذ المراد الفزع المذكور في قوله (فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ) [النمل : ٨٧] فلما كان معينا استوى تعريفه وتنكيره. فاتحدت القراءتان معنى لأن إضافة المصدر وتنكيره سواء في عدم إفادة العموم فتعين أنه فزع واحد.
والكب : جعل ظاهر الشيء إلى الأرض. وعدي الكب في هذه الآية إلى الوجوه دون بقية الجسد وإن كان الكب لجميع الجسم لأن الوجوه أول ما يقلب إلى الأرض عند الكب كقول امرئ القيس :