وأعيد لفظ (يَوْمَ) على طريقة الإظهار في مقام الإضمار وإن كان ذلك يوما واحدا لبعد ما بين المعاد ومكان الضمير.
والتشقق : التفتح بين أجزاء ملتئمة ، ومنه (إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ) [الانشقاق :١]. ولعله انخراق يحصل في كور تلك العوالم ، والذين قالوا : السموات لا تقبل الخرق ثم الالتئام بنوه على تخيّلهم إياها كقباب من معادن صلبة ، والحكماء لم يصلوا إلى حقيقتها حتى الآن.
وتشقّق السماء حالة عجيبة تظهر يوم القيامة ، ومعناه زوال الحواجز والحدود التي كانت تمنع الملائكة من مبارحة سماواتهم إلا من يؤذن له بذلك ، فاللام في الملائكة للاستغراق ، أي بين جمع الملائكة فهو بمنزلة أن يقال : يوم تفتح أبواب السماء. قال [تعالى] : (وَفُتِحَتِ السَّماءُ فَكانَتْ أَبْواباً) [النبأ : ١٩] ؛ على أن التشقّق يستعمل في معنى انجلاء النور كما قال النابغة :
فانشق عنها عمود الصبح جافلة |
|
عدو النّحوص تخاف القانص اللّحما |
وحاصل المعنى : أن هنالك انبثاقا وانتفاقا يقارنه نزول الملائكة لأن ذلك الانشقاق إذن للملائكة بالحضور إلى موقع الحشر والحساب.
والتعبير بالتنزيل يقتضي أن السموات التي تنشقّ عن الملائكة أعلى من مكان حضور الملائكة.
وقرأ الجمهور (تَشَقَّقُ) بتشديد الشين. وقرأه أبو عمرو وحمزة والكسائي وخلف بتخفيف الشين.
والغمام : السحاب الرقيق. وهو ما يغشى مكان الحساب ، قال تعالى : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ) تقدم في سورة البقرة [٢١٠].
والباء في قوله : (بِالْغَمامِ) قيل بمعنى (عن) أي تشقق عن غمام يحفّ بالملائكة. وقيل للسببية ، أي يكون غمام يخلقه الله فيه قوة تنشقّ بها السماء لينزل الملائكة مثل قوة البرق التي تشق السحاب. وقيل الباء للملابسة ، أي تشّقّق ملابسة لغمام يظهر حينئذ. وليس في الآية ما يقتضي مقارنة التشقق لنزول الملائكة ولا مقارنة الغمام الملائكة ، فدع الفهم يذهب في ترتيب ذلك كلّ مذهب ممكن.