قصة معينة وهي قصة عقبة بن أبي معيط وما أغراه به أبيّ بن خلف. قال الواحدي وغيره عن الشعبي وغيره : كان عقبة بن أبي معيط خليلا لأمية بن خلف ، وكان عقبة لا يقدم من سفر إلا صنع طعاما ودعا إليه أشراف قومه ، وكان يكثر مجالسة النبي صلىاللهعليهوسلم ، فقدم من بعض أسفاره فصنع طعاما ودعا رسول الله [صلىاللهعليهوسلم] فلما قرّبوا الطعام قال رسول الله [صلىاللهعليهوسلم]: ما أنا بآكل من طعامك حتى تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ، فقال عقبة : أشهد أن لا إله إلّا الله وأن محمدا رسول الله ، فأكل رسول الله من طعامه. وكان أبيّ بن خلف غائبا فلما قدم أخبر بقضيته ، فقال : صبأت يا عقبة ، قال : والله ما صبأت ولكن دخل عليّ رجل فأبى أن يأكل من طعامي حتى أشهد له ، فاستحييت أن يخرج من بيتي ولم يطعم ، فشهدت له فطعم ، فقال أبيّ : ما أنا بالذي أرضى عنك أبدا إلّا أن تأتيه فتبصق في وجهه ، فكفر عقبة وأخذ في امتثال ما أمره به أبيّ بن خلف ، فيكون المراد ب (فلان) الكناية عن أبيّ بن خلف فخصوصه يقتضي لحاق أمثاله من المشركين الذين أطاعوا أخلّتهم في الشرك ولم يتّبعوا سبيل الرسول ، ولا يخلو أحد من المشركين عن خليل مشرك مثله يصدّه عن متابعة الإسلام إذا همّ به ويثبته على دين الشرك فيتندم يوم الجزاء على طاعته ويذكره باسمه.
والعضّ : الشدّ بالأسنان على الشيء ليؤلمه أو ليمسكه ، وحقه التعدية بنفسه إلا أنه كثرت تعديته ب (عَلى) لإفادة التمكن من المعضوض إذا قصدوا عضّا شديدا كما في هذه الآية.
والعضّ على اليد كناية عن الندامة لأنهم تعارفوا في بعض أغراض الكلام أن يصحبوها بحركات بالجسد مثل التّشذر ، وهو رفع اليد عند كلام الغضب قال ، لبيد :
غلب تشذّر بالدخول كأنهم |
|
جن البدي رواسيا أقدامها |
ومثل وضع اليد على الفم عند التعجب. قال تعالى : (فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ) [إبراهيم : ٩]. ومنه في الندم قرع السن بالأصبع ، وعضّ السبابة ، وعضّ اليد. ويقال : حرّق أسنانه وحرّق الأرّم (بوزن ركّع) الأضراس أو أطراف الأصابع ، وفي الغيظ عضّ الأنامل قال تعالى : (عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ) في سورة آل عمران [١١٩] ، وكانت كنايات بناء على ما يلازمها في العرف من معان نفسية ، وأصل نشأتها عن تهيج القوة العصبية من جراء غضب أو تلهف.
والرّسول : هو المعهود وهو محمد صلىاللهعليهوسلم.