مخالف لحال نزول التوراة والإنجيل. فهذا نفي تمثيل حال الرسول صلىاللهعليهوسلم بحال الرّسل الأسبقين في زعمهم. ويدخل في هذا النوع ما يزعمون أنه تقتضيه النبوءة من المكانة عند الله أن يسأله ، فيجاب إليه كقولهم : (لَوْ لا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً* أَوْ يُلْقى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْها) [الفرقان : ٧ ، ٨].
وصيغة المضارع في قوله : (لا يَأْتُونَكَ) تشمل ما عسى أن يأتوا به من هذا النوع كقولهم : (أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً) [الإسراء : ٩٢].
والاستثناء في قوله : (إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِ) استثناء من أحوال عامة يقتضيها عموم الأمثال لأن عموم الأشخاص يستلزم عموم الأحوال.
وجملة (جِئْناكَ) حالية كما تقدم في قوله : (وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ) [الفرقان : ٢٠].
وقوله (جِئْناكَ بِالْحَقِ) مقابل قوله : (لا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ) وهو مجيء مجازي. ومقابلة (جِئْناكَ بِالْحَقِ) لقوله : (وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ) إشارة إلى أن ما يأتون به باطل. مثال ذلك أن قولهم : (ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ) [الفرقان : ٧] ، أبطله قوله : (وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ) [الفرقان : ٢٠].
والتعبير في جانب ما يؤيده الله من الحجة ب (جِئْناكَ) دون : أتيناك ، كما عبر عمّا يجيئون به ب (يَأْتُونَكَ) إما لمجرد التفنن ، وإما لأن فعل الإتيان إذا استعمل مجازا كثر فيما يسوء وما يكره ، كالوعيد والهجاء ، قال شقيق بن شريك الأسدي :
أتاني من أبي أنس وعيد |
|
فسلّ لغيظة الضّحّاك جسمي |
وقول النابغة :
أتاني ـ أبيت اللعن ـ أنك لمتني
وقوله :
فليأتينك قصائد وليدفعن |
|
جيشا إليك قوادم الأكوار |
يريد قصائد الهجاء. وقول الملائكة للوط (وَأَتَيْناكَ بِالْحَقِ) [الحجر : ٦٤] أي عذاب قومه ، ولذلك قالوا له في المجيء الحقيقي (بَلْ جِئْناكَ بِما كانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ). وتقدم في