وأمته لم تزل معروفة عند العرب ، فإن صح ما روي أن الذين قالوا : (لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً) [الفرقان : ٣٢] اليهود ، فوجه الابتداء بذكر ما أوتي موسى أظهر.
وحرف التحقيق ولام القسم لتأكيد الخبر باعتبار ما يشتمل عليه من الوعيد بتدميرهم. وأريد بالكتاب الوحي الذي يكتب ويحفظ وذلك من أول ما ابتدئ بوحيه إليه ، وليس المراد بالكتاب الألواح لأن إيتاءه الألواح كان بعد زمن قوله (اذْهَبا إِلَى الْقَوْمِ) ، فقوله (فَقُلْنَا اذْهَبا) مفرع عن إيتاء الكتاب ، فالإيتاء متقدم عليه.
وفي وصف الوحي بالكتاب تعريض بجهالة المشركين القائلين (لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ) (جُمْلَةً واحِدَةً) [الفرقان : ٣٢] ، فإن الكتب التي أوتيها الرسل ما كانت إلا وحيا نزل منجّما فجمعه الرسل وكتبه أتباعهم.
والتعرض هنا إلى تأييد موسى بهارون تعريض بالرد على المشركين إذ قالوا (لَوْ لا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً) [الفرقان : ٧] فإن موسى لما اقتضت الحكمة تأييده لم يؤيد بملك ولكنه أيّد برسول مثله.
والوزير : المؤازر وهو المعاون المظاهر ، مشتق من الأزر وهو القوة. وأصل الأزر : شدّ الظهر بإزار عند الإقبال على عمل ذي تعب ، وقد تقدم في سورة طه. وكان هارون رسولا ثانيا وموسى هو الأصل. والقوم هم قبط مصر قوم فرعون.
و (الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) وصف للقوم وليس هو من المقول لموسى وهارون لأن التكذيب حينئذ لمّا يقع منهم ، ولكنه وصف لإفادة قراء القرآن أن موسى وهارون بلّغا الرسالة وأظهر الله منهما الآيات فكذب بها قوم فرعون فاستحقوا التدمير تعريضا بالمشركين في تكذيبهم محمدا صلىاللهعليهوسلم ، وتمهيدا للتفريع ب (فَدَمَّرْناهُمْ تَدْمِيراً) الذي هو المقصود من الموعظة والتسلية.
والموصول في قوله : (الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) للإيماء إلى علة الخبر عنهم بالتدمير.
وقد حصل بهذا النظم إيجاز عجيب اختصرت به القصة فذكر منها حاشيتاها : أولها وآخرها لأنهما المقصود بالقصة وهو استحقاق الأمم التدمير بتكذيبهم رسلهم.
والتدمير : الإهلاك ، والهلاك : دمور.
واتباع الفعل بالمفعول المطلق لما في تنكير المصدر من تعظيم التدمير وهو الإغراق