فدعا عليها حنظلة فأهلكها الله بالصواعق. وقد عبدوا الأصنام وقتلوا نبيئهم فأهلكهم الله. قال وهب بن منبه : خسف بهم وبديارهم. وقيل : هم قوم شعيب. وقيل : قوم كانوا مع قوم شعيب ، وقال مقاتل والسدّي : الرسّ بئر بأنطاكية ، وأصحاب الرسّ أهل أنطاكية بعث إليهم حبيب النجّار فقتلوه ورسّوه في بئر وهو المذكور في سورة يس [٢٠] (وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى قالَ يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ) الآيات. وقيل : الرس واد في «أذربيجان» في «أرّان» يخرج من «قاليقلا» ويصب في بحيرة «جرجان» ولا أحسب أنه المراد في هذه الآية. ولعله من تشابه الأسماء يقال : كانت عليه ألف مدينة هلكت بالخسف ، وقيل غير ذلك مما هو أبعد.
والقرون : الأمم فإن القرن يطلق على الأمة ، وقد تقدم عند قوله تعالى : (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ) في أول الأنعام [٦]. وفي الحديث : «خير القرون قرني ثم الذين يلونهم»الحديث.
والإشارة في قوله : (بَيْنَ ذلِكَ) إلى المذكور من الأمم. ومعنى (بَيْنَ ذلِكَ) أن أمما تخللت تلك الأقوام ابتداء من قوم نوح.
وفي هذه الآية إيذان بطول مدد هذه القرون وكثرتها.
والتنوين في (كُلًّا) تنوين عوض عن المضاف إليه. والتقدير : وكلّهم ضربنا له الأمثال وانتصب (كُلًّا) الأول بإضمار فعل يدل عليه (ضَرَبْنا لَهُ) تقديره : خاطبنا أو حذّرنا كلّا وضربنا له الأمثال ، وانتصب (كُلًّا) الثاني بإضمار فعل يدل عليه (تَبَّرْنا) وكلاهما من قبيل الاشتغال.
والتتبير : التفتيت للأجسام الصلبة كالزجاج والحديد. أطلق التتبير على الإهلاك على طريقة الاستعارة تبعية في (تَبَّرْنا) وأصلية في (تَتْبِيراً) ، وتقدم في قوله تعالى : (إِنَّ هؤُلاءِ مُتَبَّرٌ ما هُمْ فِيهِ) في سورة الأعراف [١٣٩] ، وقوله : (وَلِيُتَبِّرُوا ما عَلَوْا تَتْبِيراً) في سورة الإسراء [٧]. وانتصب (تَتْبِيراً) على أنه مفعول مطلق مؤكد لعامله لإفادة شدة هذا الإهلاك.
ومعنى ضرب الأمثال : قولها وتبيينها وتقدم عند قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما) في سورة البقرة [٢٦].
والمثل : النظير والمشابه ، أي بيّنا لهم الأشباه والنظائر في الخير والشر ليعرضوا