والسّوء بفتح السين : الضرّ والعذاب ، وأما بضم السين فهو ما يسوء. والفتح هو الأصل في مصدر ساءه ، وأما السّوء بالضم فهو اسم مصدر ، فغلب استعمال المصدر في الذي يسوء بضر ، واستعمال اسم المصدر في ضد الإحسان.
وتفرع على تحقيق إتيانهم على القرية مع عدم انتفاعهم به استفهام صوري عن انتفاء رؤيتهم إياها حينما يأتون عليها ، لأنهم لمّا لم يتّعظوا بها كانوا بحال من يسأل عنهم : هل رأوها ، فكان الاستفهام لإيقاظ العقول للبحث عن حالهم. وهو استفهام إما مستعمل في الإنكار والتهديد ، وإما مستعمل في الإيقاظ لمعرفة سبب عدم اتعاظهم.
وقوله : (بَلْ كانُوا لا يَرْجُونَ نُشُوراً) يجوز أن يكون (بَلْ) للإضراب الانتقالي انتقالا من وصف تكذيبهم بالنبيء صلىاللهعليهوسلم وعدم اتعاظهم بما حل بالمكذبين من الأمم إلى ذكر تكذيبهم بالبعث ، فيكون انتهاء الكلام عند قوله : (أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَها) وهو الذي يجري على الوجه الأول في الاستفهام. وعبر عن إنكارهم البعث بعدم رجائه لأن منكر البعث لا يرجو منه نفعا ولا يخشى منه ضرا ، فعبر عن إنكار البعث بأحد شقّي الإنكار تعريضا بأنهم ليسوا مثل المؤمنين يرجون رحمة الله.
والنشور : مصدر نشر الميت أحياه ، فنشر ، أي حيي. وهو من الألفاظ التي جرت في كلام العرب على معنى التخيّل لأنهم لا يعتقدونه ، ويروى للمهلهل في قتاله لبني بكر ابن وائل الذين قتلوا أخاه كليبا قوله :
يا لبكر انشروا لي كليبا |
|
يا لبكر أين أين الفرار |
فإذا صحّت نسبة البيت إليه كان مراده من ذلك تعجيزهم ليتوسل إلى قتالهم.
والمعنى : أنهم كانوا لا يؤمنون بالبعث فلم يكن لهم استعداد للاعتبار ، لأن الاعتبار ينشأ عن المراقبة ومحاسبة النفس لطلب النجاة ، وهؤلاء المشركون لما نشئوا على إهمال الاستعداد لما بعد الموت قصرت أفهامهم على هذا العالم العاجل فلم يعنوا إلا بأسباب وسائل العاجلة ، فهم مع زكانتهم في تفرس الذوات والشيات ومراقبة سير النجوم وأنواء المطر والريح ورائحة أتربة منازل الأحياء ، هم مع ذلك كله معرضون بأنظارهم عن توسم الإلهيات وحياة الأنفس ونحو ذلك. وأصل ذلك الضلال كلّه انجرّ لهم من إنكار البعث فلذلك جعل هنا علة لانتفاء اعتبارهم بمصير أمة كذبت رسولها وعصت ربها. وفي هذا المعنى جاء قوله تعالى : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ) [الحجر : ٧٥] أي دون من لا