تحريضا على النظر ، ومن جاحد ينكر عليه إهماله النظر ، ومن موفق يحثّ على زيادة النظر.
والرؤية بصرية ، وقد ضمن الفعل معنى النظر فعدّي إلى المرئي بحرف (إلى). والمدّ : بسط الشيء المنقبض المتداخل يقال : مد الحبل ومد يده ، ويطلق المد على الزيادة في الشيء وهو استعارة شائعة ، وهو هنا الزيادة في مقدار الظل.
ثم إذا كان المقصود بفعل الرؤية حالة من أحوال الذات تصحّ رؤيتها فلك تعدية الفعل إلى الحالة كقوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ) [الفيل : ١] (أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللهُ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً) [نوح : ١٥] ، وصحّ تعديته إلى اسم الذات مقيّدة بالحالة المقصودة بحال أو ظرف أو صلة نحو (أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ) [الغاشية : ١٧] (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ) [البقرة : ٢٥٨] (أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى إِذْ قالُوا) لنبي (لَهُمُ ابْعَثْ لَنا مَلِكاً) [البقرة : ٢٤٦].
والفرق بين التعديتين أن الأولى يقصد منها العناية بالحالة لا بصاحبها ، فالمقصود من آية سورة الفيل : الامتنان على أهل مكة بما حلّ بالذين انتهكوا حرمتها من الاستئصال ، والمقصود من آية سورة الغاشية العبرة بكيفية خلقه الإبل لما تشتمل عليه من عجيب المنافع ، وكذلك الآيتان الأخيرتان. وإذ قد كان المقام هنا مقام إثبات الوحدانية والإلهية الحقّ لله تعالى ، أوثر تعلق فعل الرؤية باسم الذات ابتداء ثم مجيء الحال بعد ذلك مجيئا كمجيء بدل الاشتمال بعد ذكر المبدل منه.
وأما قوله في سورة نوح [١٥] (أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللهُ) دون أن يقال : ألم تروا ربّكم كيف خلق ، لأن قومه كانوا متصلبين في الكفر وكان قد جادلهم في الله غير مرة فعلم أنه إن ابتدأهم بالدعوة إلى النظر في الوحدانية جعلوا أصابعهم في آذانهم فلم يسمعوا إليه فبادأهم باستدعاء النظر إلى كيفية الخلق.
وعلى كل فإن (كَيْفَ) هنا مجردة عن الاستفهام وهي اسم دال على الكيفية فهي في محلّ بدل الاشتمال من (رَبِّكَ) ، والتقدير : ألم تر إلى ربك إلى هيئة مده الظل. وقد تقدم ذكر خروج (كيف) عن الاستفهام عند قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ) في سورة آل عمران [٦] ، فإنه لا يخلو النهار من وجود الظل.
وفي وجود الظل دقائق من أحوال النظام الشمسي فإن الظل مقدار محدد من الظلمة