متصل بقوله : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً) [الفرقان : ٣٢] الآية.
وفيه انتقال إلى الاستدلال على بطلان شركهم وإثبات الوحدانية لله وهو من هذه الجهة متصل بقوله في أول السورة (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً) [الفرقان : ٣] الآية.
وتوجيه الخطاب إلى النبي صلىاللهعليهوسلم يقتضي أن الكلام متصل بنظيره من قوله تعالى : (قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [الفرقان : ٦]. وما عطف عليه (قُلْ أَذلِكَ خَيْرٌ) [الفرقان : ١٥] (وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) [الفرقان : ٢٠] (وَكَفى بِرَبِّكَ هادِياً) [الفرقان : ٣١] فكلها مخاطبات للنبي صلىاللهعليهوسلم. وقد جعل مدّ الظل وقبضه تمثيلا لحكمة التدريج في التكوينات الإلهية والعدول بها عن الطفرة في الإيجاد ليكون هذا التمثيل بمنزلة كبرى القياس للتدليل على أن تنزيل القرآن منجّما جار على حكمة التدرجلأنه أمكن في حصول المقصود ، وذلك ما دل عليه قوله سابقا (كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ) [الفرقان : ٣٢]. فكان في قوله : (أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ ...) الآية زيادة في التعليل على ما في قوله (كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ) [الفرقان : ٣٢].
ويستتبع هذا إيماء إلى تمثيل نزول القرآن بظهور شمس في المواضع التي كانت مظلّلة إذ قال تعالى : (ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً) فإن حال الناس في الضلالة قبل نزول القرآن تشبّه بحال امتداد ظلمة الظل ، وصار ما كان مظلّلا ضاحيا بالشمس وكان زوال ذلك الظل تدريجا حتى ينعدم الفيء.
فنظم الآية بما اشتمل عليه من التمثيل أفاد تمثيل هيئة تنزيل القرآن منجّما بهيئة مدّ الظل مدرّجا ولو شاء لجعله ساكنا.
وكان نظمها بحمله على حقيقة تركيبه مفيدا العبرة بعد الظل وقبضه في إثبات دقائق قدرة الله تعالى ، وهذان المفادان من قبيل استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه الذي ذكرناه في المقدمة التاسعة. وكان نظم الكلام بمعنى ما فيه من الاستعارة التصريحية من تشبيه الهداية بنور الشمس ، وتقلّص ضلال الكفر بانقباض الظل بعد أن كان مديدا قبل طلوع الشمس. وبهذه النكتة عطف قوله (ثُمَّ قَبَضْناهُ إِلَيْنا قَبْضاً يَسِيراً) إلى قوله (وَجَعَلَ النَّهارَ نُشُوراً) [الفرقان : ٤٧].
والاستفهام تقريري فهو صالح لطبقات السامعين : من غافل يسأل عن غفلته ليقرّ بها