بيان مناسبتها للتي قبلها.
والذي أختاره أن هذه الآية متصلة بقوله تعالى : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً) [الفرقان : ٣٢] الآية ، فبعد أن بيّن إبطال طعنهم فقال : (كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ) [الفرقان : ٣٢] انتقل إلى تنظير القرآن بالكتاب الذي أوتيه موسى عليهالسلام وكيف استأصل الله من كذبوه ، ثم استطرد بذكر أمم كذبوا رسلهم ، ثم انتقل إلى استهزاء المشركين بالنبيء صلىاللهعليهوسلم وأشار إلى تحرج النبي صلىاللهعليهوسلم من إعراض قومه عن دعوته بقوله : (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً) [الفرقان : ٤٣].
وتسلسل الكلام بضرب المثل بمدّ الظل وقبضه ، وبحال اللّيل والنّهار ، وبإرسال الرياح ، أمارة على رحمة غيثه الذي تحيا به الموات حتى انتهى إلى قوله : (وَلَوْ شِئْنا لَبَعَثْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً) ويؤيد ما ذكرنا اشتمال التفريع على ضمير القرآن في قوله (وَجاهِدْهُمْ بِهِ).
ومما يزيد هذه الآية اتصالا بقوله تعالى : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً) [الفرقان : ٣٢] أن في بعث نذير إلى كل قرية ما هو أشدّ من تنزيل القرآن مجزّأ ؛ فلو بعث الله في كل قرية نذيرا لقال الذين كفروا : لو لا أرسل رسول واحد إلى الناس جميعا فإن مطاعنهم لا تقف عند حد كما قال تعالى : (وَلَوْ جَعَلْناهُ قُرْآناً أَعْجَمِيًّا لَقالُوا لَوْ لا فُصِّلَتْ آياتُهُءَ أَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌ) في سورة حم فصلت [٤٤].
وتفريع (فَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ) على جملة (وَلَوْ شِئْنا لَبَعَثْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً) لأنها تتضمن أنه مرسل إلى المشركين من أهل مكة وهم يطلبون منه الكف عن دعوتهم وعن تنقّص أصنامهم.
والنهي مستعمل في التحذير والتذكير ، وفعل (تُطِعِ) في سياق النهي يفيد عموم التحذير من أدنى طاعة.
والطاعة : عمل المرء بما يطلب منه ، أي فلا تهن في الدعوة رعيا لرغبتهم أن تلين لهم.
وبعد أن حذره من الوهن في الدعوة أمره بالحرص والمبالغة فيها. وعبر عن ذلك بالجهاد وهو الاسم الجامع لمنتهى الطاقة. وصيغة المفاعلة فيه ليفيد مقابلة مجهودهم بمجهوده فلا يهن ولا يضعف ولذلك وصف بالجهاد الكبير ، أي الجامع لكل مجاهدة.