مقاييس لغتهم ولا أنه إذا وصف الله به فهو رب واحد وأن التعدد في الأسماء ؛ فكانوا يقولون : انظروا إلى هذا الصابئ ينهانا أن ندعو إلهين وهو يدعو الله ويدعو الرحمن. وفي ذلك نزل قوله تعالى : (قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى). وقد تقدم في آخر سورة الإسراء [١١٠] وهذه الآية تشير إلى آية سورة الإسراء.
والخبر هنا مستعمل كناية في التعجيب من عنادهم وبهتانهم ، وليس المقصود إفادة الإخبار عنهم بذلك لأنه أمر معلوم من شأنهم.
والسجود الذي أمروا به سجود الاعتراف له بالوحدانية وهو شعار الإسلام ، ولم يكن السجود من عبادتهم وإنما كانوا يطوفون بالأصنام ، وأما سجود الصلاة التي هي من قواعد الإسلام فليس مرادا هنا إذ لم يكونوا ممن يؤمر بالصلاة ولا فائدة في تكليفهم بها قبل أن يسلموا. ويدل لذلك حديث معاذ بن جبل حين أرسله النبي صلىاللهعليهوسلم إلى اليمن فأمره أن يدعوهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، ثم قال : فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة إلخ. ومسألة تكليف الكفار بفروع الشريعة لا طائل تحتها.
وواو العطف في قولهم (وَمَا الرَّحْمنُ) لعطفهم الكلام الذي صدر منهم على الكلام الذي وجه إليهم في أمرهم بالسجود للرحمن ، على طريقة دخول العطف بين كلامي متكلمين كما في قوله تعالى : (قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) [البقرة : ١٢٤]. و (مَا) من قوله (وَمَا الرَّحْمنُ) استفهامية.
والاستفهام مستعمل في الاستغراب ، يعنون تجاهل هذا الاسم ، ولذلك استفهموا عنه بما دون (من) باعتبار السؤال عن معنى هذا الاسم.
والاستفهام في (أَنَسْجُدُ لِما تَأْمُرُنا) إنكار وامتناع ، أي لا نسجد لشيء تأمرنا بالسجود له على أن (مَا) نكرة موصوفة ، أو لا نسجد للذي تأمرنا بالسجود له إن كانت (مَا) موصولة ، وحذف العائد من الصفة أو الصلة مع ما اتصل هو به لدلالة ما سبق عليه ، ومقصدهم من ذلك إباء السجود لله لأن السجود الذي أمروا به سجود لله بنيّة انفراد الله به دون غيره ، وهم لا يجيبون إلى ذلك كما قال الله تعالى : (وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سالِمُونَ) [القلم : ٤٣] ، أي فيأبون ، وقال : (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ) [المرسلات : ٤٨]. ويدل على ذلك قوله (وَزادَهُمْ نُفُوراً) فالنفور من السجود سابق قبل سماع