والتخلّق بهذا الخلق مظهر من مظاهر التخلق بالرحمة المناسب لعباد الرحمن لأن الرحمة ضد الشدة ، فالهون يناسب ماهيتها وفيه سلامة من صدم المارين.
وعن زيد بن أسلم قال : كنت أسأل عن تفسير قوله تعالى : (الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً) فما وجدت في ذلك شفاء فرأيت في المنام من جاءني فقال لي : «هم الذين لا يريدون أن يفسدوا في الأرض». فهذا رأي لزيد بن أسلم ألهمه يجعل معنى (يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ) أنه استعارة للعمل في الأرض كقوله تعالى (وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها) [البقرة : ٢٠٥] وأن الهون مستعار لفعل الخير لأنه هون على الناس كما يسمى بالمعروف.
وقرن وصفهم بالتواضع في سمتهم وهو المشي على الأرض هونا بوصف آخر يناسب التواضع وكراهية التطاول وهو متاركة الذين يجهلون عليهم في الخطاب بالأذى والشتم وهؤلاء الجاهلون يومئذ هم المشركون إذ كانوا يتعرضون للمسلمين بالأذى والشتم فعلمهم الله متاركة السفهاء ، فالجهل هنا ضد الحلم ، وذلك أشهر إطلاقاته عند العرب قبل الإسلام وذلك معلوم في كثير من الشعر والنثر.
وانتصب (سَلاماً) على المفعولية المطلقة. وذكرهم بصفة الجاهلين دون غيرها مما هو أشد مذمّة مثل الكافرين لأن هذا الوصف يشعر بأن الخطاب الصادر منهم خطاب الجهالة والجفوة.
و (السلام) يجوز أن يكون مصدرا بمعنى السلامة ، أي لا خير بيننا ولا شرّ فنحن مسلمون منكم. ويجوز أن يكون مرادا به لفظ التحية فيكون مستعملا في لازمه وهو المتاركة لأن أصل استعمال لفظ السلام في التحية أنه يؤذن بالتأمين ، أي عدم لإهاجة ، والتأمين : أول ما يلقى به المرء من يريد إكرامه ، فتكون الآية في معنى قوله (وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقالُوا لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ) [القصص : ٥٥].
قال ابن عطية : وأريت في بعض التواريخ أن إبراهيم بن المهدي وكان من المائلين على علي بن أبي طالب رضياللهعنه قال يوما بحضرة المأمون (١) وعنده جماعة : كنت أرى علي بن أبي طالب في النوم فكنت أقول له : من أنت؟ فكان يقول : عليّ بن أبي
__________________
(١) لأن المأمون كان متشيعا للعلويين.