والمرأة الضّعيفة والمستضعف المهين ، وأنا الحكم العدل ، سبقت رحمتي غضبي لا أعذّب الصّغار بذنوب الكبار من قومك. وهم ، يا يونس ، عبادي وخلقي وبريّتي في بلادي وفي عيلتي أحبّ أن أتأنّاهم (١) وأرفق بهم وأنتظر توبتهم. وإنّما بعثتك إلى قومك لتكون حيطا (٢) عليهم ، تعطف عليهم بسجال الرّحمة (٣) الماسّة منهم ، وتأنّاهم برأفة النّبوّة. وتصبر معهم بأحلام الرّسالة ، وتكون لهم ، كهيئة الطّبيب المداوي العالم بمداواة الدّواء. فخرقت (٤) بهم ، ولم تستعمل قلوبهم بالرّفق ، ولم تسسهم بسياسة المرسلين. ثمّ سألتني ، مع سوء نظرك ، العذاب لهم عند قلّة الصّبر منك. وعبدي نوح كان أصبر منك على قومه ، وأحسن صحبة ، وأشدّ تأنّيا في الصّبر عندي ، وأبلغ في العذر فغضبت له حين غضب لي ، وأجبته حين دعاني.
فقال يونس : يا ربّ ، إنّما غضبت عليهم فيك ، وإنّما دعوت عليهم حين عصوك. فو عزّتك ، لا أتعطّف عليهم برأفة أبدا ، ولا أنظر إليهم بنصيحة شفيق بعد كفرهم وتكذيبهم إيّاي وجحدهم نبوّتي ، فأنزل عليهم عذابك فإنّهم لا يؤمنون أبدا.
فقال الله : يا يونس ، إنّهم مائة ألف أو يزيدون من خلقي ، يعمرون بلادي ، ويلدون عبادي. ومحبّتي أن أتأنّاهم للّذي سبق من علمي فيهم وفيك ، وتقديري وتدبيري غير علمك وتقديرك. وأنت المرسل ، وأنا الرّبّ الحكيم. وعلمي فيهم ، يا يونس ، باطن في الغيب عندي لا يعلم ما منتهاه ، وعلمك فيهم ظاهر لا باطن له. يا يونس ، قد أجبتك إلى ما سألت من إنزال العذاب عليهم. وما ذلك ، يا يونس ، بأوفر لحظّك عندي ، ولا أحمد (٥) لشأنك. وسيأتيهم عذابي في شوّال ، يوم الأربعاء ، وسط الشّهر ، بعد طلوع الشّمس ، فأعلمهم ذلك.
قال : فسرّ ذلك يونس ولو يسؤه ، ولم يدر ما عاقبته. فانطلق يونس إلى تنوخا العابد ، فأخبره بما أوحى الله إليه من نزول العذاب على قومه في ذلك اليوم.
وقال له : انطلق حتّى أعلمهم بما أوحى الله إليّ من نزول العذاب.
فقال : تنوخا : فدعهم في غمرتهم ومعصيتهم حتّى يعذّبهم الله.
__________________
(١) من التأنّي ، أي : الرفق والمداراة.
(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ : حفيظا.
(٣) المصدر : لسخاء الرحمة.
(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : فخرجت.
(٥) المصدر : أجمل.