وفيه : وأمّا قوله : (إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ) (١) فإنّ الله ـ عزّ وجلّ ذكره ـ أنزل (٢) عزائم الشّرائع وآيات الفرائض في أوقات مختلفة ، كما (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ). ولو شاء لخلقها في أقل من لمح البصر (٣) ، ولكنّه جعل الأناة والمداراة أمثالا (٤) لأمنائه وإيجابا للحجّة على خلقه.
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٥) : وقوله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ـ إلى قوله (٦) ـ وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ). وذلك في مبتدأ (٧) الخلق ، أنّ الرّبّ ـ تبارك وتعالى ـ خلق الهواء ، ثمّ خلق القلم فأمره أن يجري.
فقال : يا ربّ ، بما أجري؟
فقال : بما هو كائن.
ثمّ خلق الظّلمة من الهواء ، وخلق النّور من الهواء ، [وخلق الماء من الهواء ،] (٨) وخلق العرش من الهواء ، وخلق العقيم (٩) من الهواء ، وهو الرّيح الشّديد ، وخلق النّار من الهواء ، وخلق الخلق كلّهم من هذه السّتّة الّتي خلقت من الهواء. فسلّط العقيم على الماء ، فضربته فأكثرت الموج والزّبد ، وجعل يثور دخانه في الهواء.
فلمّا بلغ الوقت الّذي أراد ، قال للزّبد : اجمد ، فجمد. وقال للموج : اجمد ، فجمد. فجعل الزّبد أرضا ، وجعل الموج جبالا رواسي للأرض.
فلمّا أجمدها ، قال للرّوح والقدرة : سوّيا عرشي إلى السّماء ، فسوّيا عرشه إلى السّماء. وقال للدّخان : اجمد ، فجمد. ثمّ قال له : ازفر ، فزفر. فناداها والأرض جميعا (ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ ، فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَ).
فلمّا أخذ في رزق خلقه خلق السّماء وجنانها (١٠) والملائكة يوم الخميس ، وخلق
__________________
(١) سبأ / ٤٦.
(٢) المصدر : نزّل.
(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ : ولو شاء أن يخلقها في أقل من لمح البصر لخلق.
(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : مثالا.
(٥) تفسير القمّي ١ / ٣٢١ ـ ٣٢٢.
(٦) ليس في المصدر : إلى قوله.
(٧) كذا في المصدر. وفي النسخ : مبدأ.
(٨) من المصدر.
(٩) كذا في المصدر. وفي النسخ : الغيم.
(١٠) المصدر : جناتها.