من أين لحق الشّقاء أهل المعصية حتّى حكم الله لهم في علمه بالعذاب على عملهم؟ فقال أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ : أيّها السّائل! حكم الله ـ عزّ وجلّ ـ أن لا يقوم (١) له أحد من خلقه [بحقّه] (٢). فلمّا حكم بذلك ، وهب لأهل محبّته القوّة على معرفته ، ووضع عنهم ثقل العمل بحقيقة ما هم أهله. ووهب لأهل المعصية القوّة على معصيتهم ، لسبق علمه فيهم ومنعهم إطاقة القبول منه. فواقعوا (٣) ما سبق لهم في علمه ، ولم يقدروا أن يأتوا حالا تنجيهم من عذابه. لأنّ علمه أولى بحقيقة التّصديق. وهو معنى شاء ما شاء. وهو سرّه.
عدّة من أصحابنا (٤) ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن أبيه ، عن النّضر بن سويد ، عن يحيى بن عمران الحلبي ، عن معلّى بن (٥) عثمان ، عن عليّ بن حنظلة ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال :
يسلك بالسّعيد في طريق الأشقياء ، حتّى يقول النّاس : ما أشبهه بهم ، بل هو منهم! ثمّ تتداركه السّعادة. وقد يسلك بالشّقيّ طريق السّعداء ، حتّى يقول النّاس : ما أشبهه بهم ، بل هو منهم! ثمّ يتداركه الشّقاء. إنّ من كتبه الله سعيدا ـ وإن لم يبق من الدّنيا إلّا فواق ناقة ـ ختم له بالسّعادة.
وفي كتاب التّوحيد (٦) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ أنّه قال : إنّ الله ـ تعالى ـ ينقل العبد من الشّقاء إلى السّعادة ، ولا ينقله من السّعادة إلى الشّقاء.
وفي كتاب علل الشّرائع (٧) ، بإسناده إلى محمّد بن عبد الله بن زرارة ، عن عليّ بن عبد الله ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ حديث طويل ، يقول فيه ـ عليه السّلام ـ :
تحوّل النّطفة في الرّحم أربعين يوما. فمن أراد أن يدعو الله ـ عزّ وجلّ ـ ففي تلك (٨) الأربعين قبل أن تخلق. ثمّ يبعث الله ـ عزّ وجلّ ـ ملك الأرحام. فيأخذها ، فيصعد (٩) بها إلى الله ـ عزّ وجلّ ـ فيقف منه حيث شاء (١٠) الله. فيقول : يا إلهي ، أذكر أم أنثى؟ فيوحي
__________________
(١) ب : أن لا يقوم.
(٢) من المصدر.
(٣) بعض نسخ المصدر : فوافقوا.
(٤) نفس المصدر / ١٥٤ ، ح ٣.
(٥) كذا في المصدر. وفي النسخ : أبي.
(٦) التوحيد / ٣٥٨ ، ذيل ح ٦.
(٧) العلل / ٩٥ ، ضمن ح ٤.
(٨) كذا في المصدر. وفي النسخ : ذلك.
(٩) كذا في المصدر. وفي النسخ : فيصعدها فيأخذ.