قيل (١) : ومن كرم يوسف ـ عليه السّلام ـ أنّهم لمّا عرفوه أرسلوا إليه وقالوا : إنّك تدعونا بالبكرة والعشيّ إلى الطّعام ، ونحن نستحيي منك لما فرط منّا فيك ، فقال : أما إنّ أهل مصر كانوا ينظرون إليّ بالعين الأولى ، ويقولون : سبحان من بلغ عبدا بيع بعشرين درهما ما بلغ. ولقد شرفت بكم وعظمت في عيونهم حيث علموا أنكم (٢) إخوتي وأنّي من حفدة إبراهيم ـ عليه السّلام ـ.
وفي تفسير العيّاشيّ (٣) : عن أبي بصير ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ عاد إلى الحديث الأوّل قال : واشتدّ حزنه ، يعني : يعقوب ، حتّى تقوّس ظهره وأدبرت الدّنيا عن يعقوب وولده حتّى احتاجوا حاجة شديدة وفنيت ميرتهم ، فعند ذلك قال يعقوب لولده : (اذْهَبُوا) (الآية). فخرج منهم نفر ، وبعث معهم (٤) ببضاعة يسيرة ، وكتب معهم كتابا إلى عزيز مصر يتعطّفه على نفسه وولده ، وأوصى لولده أن يبدءوا بدفع كتابه قبل البضاعة ، فكتب : «بسم الله الرّحمن الرّحيم» إلى عزيز مصر ومظهر العدل وموفي الكيل ، من يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الله صاحب النّمرود ، الّذي جمع لإبراهيم الحطّب والنّار ليحرقه بها فجعلها الله عليه بردا وسلاما وأنجاه منها.
أخبرك ، أيّها العزيز ، أنّا أهل بيت قديم لم يزل البلاء إلينا سريعا من الله ليبلونا بذلك عند السّرّاء والضّرّاء ، وأنّ مصائبي (٥) تتابعت عليّ منذ عشرين سنة ، أوّلها أنّه كان لي ابن سمّيته : يوسف ، وكان سروري من بين ولدي وقرّة عيني وثمرة فؤادي ، وأنّ إخوته من غير أمّه سألوني أن أبعثه معهم يرتع ويلعب ، فبعثته (٦) معهم بكرة وجاؤوني عشاء يبكون وجاؤوني على قميصه بدم كذب ، فزعموا أنّ الذّئب أكله ، فاشتدّ لفقده حزني وكثر على فراقه بكائي حتّى ابيضّت عيناي من الحزن ، وأنّه كان له أخ من خالته ، وكنت له معجبا وعليه رفيقا وكان لي أنيسا ، وكنت إذا ذكرت يوسف ضممته إلى صدري فيسكن بعض ما أجد في صدري ، وأنّ إخوته ذكروا لي أنّك ، أيّها العزيز ، سألتهم عنه وأمرتهم أن يأتوك به وإن لم يأتوك به منعتهم الميرة لنا من القمح من مصر ، فبعثته معهم ليمتاروا لنا قمحا ،
__________________
(١) أنوار التنزيل ١ / ٥٠٧.
(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ : أنتم.
(٣) تفسير العياشي ٢ / ١٩٠ ـ ١٩٢ ، ح ٦٥.
(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : منهم.
(٥) المصدر : مصائب.
(٦) ليس في أ ، ب ، ر.