فرجعوا إليّ وليس هو معهم ، وذكروا أنّه سرق مكيال الملك ونحن أهل بيت لا نسرق ، وقد حبسته عنّي وفجعتني به ، وقد اشتدّ لفراقه حزني حتّى تقوّس لذلك ظهري وعظمت به مصيبتي مع مصائب متتابعات عليّ ، فمنّ عليّ بتخلية سبيله وإطلاقه من محبسك (١) ، وطيّب لنا القمح واسمح لنا في السّعر [وأوف لنا الكيل] (٢) وعجّل بسراح آل يعقوب.
فلمّا مضى ولد يعقوب من عنده نحو مصر بكتابه ، نزل جبرئيل ـ عليه السّلام ـ على يعقوب ، فقال له : يا يعقوب ، إنّ ربّك يقول لك : من ابتلاك بمصائبك الّتي كتبت بها إلى عزيز مصر؟
قال يعقوب : أنت بلوتني بها ، عقوبة منك وأدبا لي.
قال الله : فهل كان يقدر على صرفها عنك أحد غيري؟
قال يعقوب : اللهمّ ، لا.
قال : فما استحييت منّي حين شكوت مصائبك إلى غيري ، ولم تستغث بي وتشكو ما بك إليّ؟
فقال يعقوب : استغفرك ، يا إلهي ، وأتوب إليك وأشكو بثّي وحزني إليك.
فقال الله ـ تبارك وتعالى ـ : قد بلغت بك ، وبولدك الخاطئين الغاية في أدبي ، ولو كنت ، يا يعقوب ، شكوت مصائبك إليّ عند نزولها بك واستغفرت وتبت إليّ من ذنبك لصرفتها عنك بعد تقديري إيّاها عليك ، ولكنّ الشّيطان أنساك ذكري فصرت إلى القنوط من رحمتي ، وأنا الله الجواد الكريم أحبّ عبادي المستغفرين التّائبين الرّاغبين إليّ فيما عندي ، يا يعقوب ، أنا رادّ إليك يوسف وأخاه ومعيد إليك ما ذهب من مالك ولحمك ودمك ورادّ إليك بصرك ومقوّم لك ظهرك وطب نفسا وقرّ عينا ، وأنّ الّذي فعلته بك كان أدبا منّي لك ، فاقبل أدبي.
قال : ومضى ولد يعقوب بكتابه نحو مصر حتّى دخلوا على يوسف في دار المملكة ، فقالوا : (يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنا) بأخينا ابن يامين ، وهذا كتاب أبينا يعقوب إليك في أمره يسألك تخلية سبيله ، وأن تمنّ به عليه.
قال : فأخذ يوسف كتاب يعقوب ، فقبّله ووضعه على عينيه ، وبكى وانتحب
__________________
(١) كذا في المصدر. وفي النسخ : حبسك.
(٢) ليس في المصدر.