وثانياً : على فرض صحّة القراءة فالمراد منها هو الالوهية بالمعنى المتبادر في سائر الايات أي يتركوا قولاً وعملاً أنك إله وأنت ربّهم الأعلى إلى غير ذلك من العناوين المشيرة إلى معنى الإله أي ينكروا إنّك إلههم وإله العالمين.
نعم قال الراغب : و « إله » جعلوه اسماً لكلّ معبود لهم ، وكذا الذات (١) وسمّوا الشمس إلاهة لاتّخاذهم ايّاها معبوداً وأله فلان يأله عبد وقيل تألّه فالإله على هذا هو المعبود (٢) وكلامه هذا قابل للتوجيه وعلى فرض ظهوره في كون الإله بمعنى المعبود فقد عرفت عدم استقامته في كثير من الايات.
إلى هنا خرجنا بهذه النتيجة : إنّ لفظ الجلالة علم للذات الذي نشير إليه بصفات الجمال والكمال وانّ لفظ الإله موضوع لذلك المعنى لكن بصورة الكليّة والسعة ، وأنّه يجب أن يفسّر « الإله » في جميع الآيات بهذا النحو وانّ تفسيره بالمعبود وغيره تفسير بالمعنى اللازم لا بالمعنى الموضوع له.
وهاهنا نكتة نشير إليها وهو انّ كتب الوهابيّة مليئة بتقسيم التوحيد إلى قسمين : توحيد في الربوبيّة ، وتوحيد في الالوهيّة ، ويريدون من الأوّل التوحيد في الخالقيّة ومن الثاني التوحيد في العبادة وكلا التفسيرين غير صحيح أمّا الربوبيّة فليست مرادفة للخالقيّة بل هو أمر آخر وراء الخلقة ولو أردنا أن نفسّره فليفسّر بالتوحيد في التدبير وإدارة العالم ، وأمّا الالوهية فقد عرفت أنّ الإله والالوهية ليس بمعنى العبادة وإنّما العبادة من لوازم الاعتقاد بكون الموجود إلها ، فلو أردنا أن نعبّر عن التوحيد في ذلك المجال فيجب أن نقول التوحيد في العبادة (٣).
__________________
(١) كذا في النسخة المطبوعة ويحتمل أن يكون لفظ « الذات » مصحّف « اللات ».
(٢) المفردات : ص ٢١.
(٣) وقد مرّ في الجزء الأوّل من كتابنا ما يفيدك في المقام ، لاحظ : ص ٣٤٨.