الأوّل وفي الوقت نفسه الاخِر ، كما تصفه بأنّه الظاهر وفي الوقت نفسه بأنّه الباطن فلو كان أوّلاً كيف يكون آخراً ، ولو كان ظاهراً فكيف يكون باطناً ؟ فأوّل الناس في العمل لا يكون آخرهم فيه وهكذا الظاهر والباطن ، ومع ذلك كلّه فالله سبحانه جمع بين هذه الصفات جمعاً حقيقياً واقعياً لا مجازياً وذلك بإحاطته على الموجودات الامكانية وقيامهم به قيام المعنى الحرفي بالاسمي ، فكما لا يمكن خلو المعنى الحرفي عن الاسمي فهكذا لا يمكن خلو الوجود الإمكاني عن الوجود الواجبي ، وليس حديث نفي الخلو حديث الممازجة بل المقصود الاحاطة القيومية التي له سبحانه بالنسبة إلى العالم كلّه ، فالعالم بما فيه من الكبير إلى الصغير ومن المجرّة إلى الذرّة ، ومن المادّي إلى المجرّد ، قائم به سبحانه قيام المعلول بعلّته ، نظير قيام الصور الذهنيّة بالنفس فهو مع الأشياء كلّها ( وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ ) ( الحديد / ٤ ) فإذا كان محيطاً بوجوده على كلّّ شيء فكلّ ما فرض أوّلاً فهو قبله بحكم كونه محيطاً والشيء محاطاً ، فهو الأوّل دون الشيء المفروض أوّلاً ، وكلّّ ما فرض آخراً فهو بعده لحديث إحاطة وجوده به من كلّّ جهة ، فهو الآخر دون الشيء المفروض وليست أوليّته تعالى ولا آخريته زمانيّة ولامكانيّة بل بمعنى كونه محيطاً بالأشياء على أيّ نحو فرض وكيفما تصوّرت.
وعلى ذلك فالأوّل والآخر من فروع اسمه « المحيط » فبما أنّ وجوده محيط بكلّ شيء فهو الأوّل قبل الاشياء والاخر بعد الأشياء.
ولأجل ذلك روي عن الإمام علي عليهالسلام أنّه قال : « ما رأيت شيئاً إلاّ ورأيت الله قبله ومعه وبعده ». وهذا هو العرفان الكامل.
والظاهر أنّ توصيفه بالأوليّة والآخريّة مبني على إحاطة وجوده بالأشياء ويؤيّده قوله في الاية التالية ( وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ ) ( الحديد / ٤ ) وإمّا تفسير الاية باحاطة قدرته كما عن بعض المفسّرين فلا ينافي ما ذكرناه بل هو يرجع إلى ما ذكرنا لكون قدرته نفس ذاته فإحاطة قدرته لا تنفك عن إحاطة ذاته ، وعلى ذلك فمعنى الاية