وقال « الندوي » :
« وقد كان الأنبياء عليهمالسلام أخبروا الناس عن ذات الله وصفاته وأفعاله وعن بداية هذا العالم ومصيره وما يهجم على الناس بعدموتهم ، وآتاهم الله علم ذلك كلّه بواسطتهم عفواً بلا تعب ، وكفوهم مؤونة البحث والفحص في علوم ليس عندهم مبادئها ولا مقدّماتها الّتي يبنون عليها بحثهم ليتوصّلوا إلى مجهول لأنّ هذه العلوم وراء الحسّ والطبيعة لا تعمل فيها حواسهم ، ولا يؤدّي إليها نظرهم ، وليست عندهم معلوماتها الأوّلية ... الذين خاضوا في الالهيات من غير بصيرة وعلى غير هدى جاؤوا في هذا العلم بآراء فجّة ، ومعلومات ناقصة ، وخواطر سانحة ، ونظريات مستعجلة فضلّوا واضلّوا (١).
ويلاحظ على كلا التقريرين :
أوّلا : إنّ الاعتماد على الفلسفة الحسّية والتركيز على الحسّ من بين أدوات المعرفة ، مقتبس من الفلسفة المادية التي ترفض الاعتماد على العقل وأدواته ولا يعترف إلاّ بالحسّ وتحسبه أداة منحصرة للمعرفة ، والعجب أن يلهج بهذا الأصل من يدّعي الصلة بالإسلام ويعد من المناضلين ضد الفلسفة الماديّة ، ففي القول بهذا ابطال للشرائع السماوية ، فانّها مبنية على النبوّة والوحي ونزول الملك وسائر الاُمور الخارجة عن إطار الحسّ التي لا تدرك إلاّ بالعقل والبرهنة ، فمن العجيب أن يلعب فريد وجدي ومقلد الدعوة السلفية « ابوالحسن الندوي » بحبال المادية من غير شعور ولا استشعار.
وثانياً : إنّه لو صحّ قول « الندوي » إنّ هذه العلوم وراء الحسّ والتجربة لا تعمل فيها حواسّهم ، ولا يؤدّي إليها نظرهم ، وليست عندهم معلوماتها الأوّليه ، فلما ذا يطرح الذكر الحكيم لفيفاً من المعارف ، ويحرّض على التدبّر فيها وهي ممّا
__________________
(١) ماذا خسر العالم ص ٩٧.