وزعمت المعتزلة والحروريّة والجهميّة أنّ الله عزّ وجلّ في كلّّ مكان فلزمهم انّه في بطن مريم وفي الحشوش والاخلية وهذا خلاف الذين تعالى الله عن قولهم « علوّا كبيرا » (١).
عزب عن امام الحنابلة ومن تبع مذهبه انّ الاستدلال متفرّع على تفسير العرش بأنّه مخلوق كهيئة السرير له قوائم وهو موضوع على السماء السابعة مستوٍ عليه كاستواء الملوك على عروشهم ، فعند ذلك يتوجّه إليهم السؤال بأنّه لو كان المراد من « استوى » هو الاستيلاء ـ لا الإستقرار ـ فلماذا خصّ الاستيلاء به مع أنّه مستو على الأشياء كلّّها ؟ وأمّا إذا قلنا بأنّ العرش كناية عن صفحة الوجود وعالم الكون فاستيلائه عليه كناية عن استيلائه على عالم الخلق ، فيسقط السؤال بأنّه لماذا خصّ الاستيلاء بعرشه دون غيره إذ ليس هنا شيء وراء صفحة الوجود ، واللغة العربيّة مليئة بالمجاز والكناية ، ولا يلزم في صدق الكناية وجود المعنى المكنىّ به : من سرير واستقرار المستوى عليه ، بل يطلق وإن لم تكن هناك تلك المظاهر ، قال الشاعر :
قد استوى بشر على العراق |
|
من غير سيف ودم مهراق |
والذي يعرب عن ذلك أي انّ المراد استيلائه على عرش التدبير ، إنّ الذكر الحكيم لا يذكر استوائه على العرش إلاّ ويذكر فعلاً من أفعاله أو وصفاً من أوصافه ، أمّا قبله أو بعده مثل قوله :
( خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا ) ( الأعراف / ٥٤ ).
وقوله : ( خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْرَ ) ( يونس / ٣ ).
وقوله : ( اللهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ وَ
__________________
(١) الإبانة للأشعري : ص ٨٦ ـ ٨٧.