المعارف التي هي إحدى المعاجز القرآنية.
ولمّا حسب القائل باستقراره سبحانه على عرشه انّ مراد القائلين باحاطة وجوده لكلّ شيء ، وكونه في كلّّ مكان وزمان ، هو الإحاطة المكانية وانّه موجود في كلّّ شيء كوجود الجسم في مكانه بدأ بالاعتراض ، وقال : عرف المسلمون أماكن كثيرة ليس فيها من عظم الربّ شيء فان قالوا : أي مكان ؟ قلنا أجسامكم وأجوافكم وأجواف الخنازير والحشوش والأماكن القذرة ليس فيها من عظم الرب شيء (١).
والعجب انّ الشيخ الأشعري الذي تربّى في حضن الاعتزال قرابة أربعين سنة ووقف على مقالهم عن كثب بل وعلى مقال كلّّ من يقول باحاطة وجوده على كلّّ شيء ، وقيام كلّّ شيء بوجوده ، ومع ذلك أخذ يكرّر كلام إمام مذهبه الثاني قريباً عن عبارته ويتكلّم مثل من ليس له إلمام بالمعارف العقليّة ويقول : « إنّ من المعتزلة والجهميّة والحروريّة قالوا : إنّ قول الله عزّ وجلّ : ( الرَّحْمَٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىٰ ) ( طه / ٥ ) انّه استولى وملك وقهر ، وإنّ الله عزّ وجلّ في كلّّ مكان ، وجحدوا أن يكون الله عزّ وجلّ على عرشه كما قال أهل الحق وذهبوا في الاستواء إلى القدرة.
ولو كان هذا كما ذكره فلا فرق بين العرش والأرض السابعة فالله سبحانه قادر عليها وعلى الحشوش وعلى كلّّ ما في العالم ، فلو كان الله مستوياً على العرش بمعنى الإستيلاء وهو عزّ وجلّ مستوٍ على الأشياء كلّها لكان مستوياً على العرش ، وعلى الأرض ، وعلى السماء ، وعلى الحشوش ، والأقذار ، لأنّه قادر على الأشياء مستول عليها وإذا كان قادراً على الأشياء كلّها ولمّا لم يجز عند أحد من المسلمين أن يقول : إنّ الله عزّ وجلّ مستو على الحشوش والأخلية لم يجز أن يكون الاستواء على العرش ، الإستيلاء الذي هو عام في الأشياء كلّها ، ووجب أن يكون معناه استواء يختصّ بالعرش دون الأشياء كلّها.
__________________
(١) السنّة لابن حنبل : ص ٣٣.