كما أنّه يصف نفسه الهاً في السماوات والأرض ويقول : ( وَهُوَ اللهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ ) ( الأنعام / ٣ ) إلى غير ذلك من الايات التي تدل على إحاطة وجوده سبحانه بكلّ شيء وكونه مع كلّّ شيء.
ثمّ إنّ المسلمين في مقابل هذه الايات على طائفتين :
الاُولى : أهل الحديث والحنابلة والمتقشّفون المغترّون بالظواهر التصوّريّة البدئيّة غير المتعمّقين في الايات والأحاديث ، فهؤلاء أخذوا بظاهر قوله سبحانه : ( الرَّحْمَٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىٰ ) ( طه / ٥ ) ففسّروا الإستواء بالإستقرار لا بالإستيلاء والسلطة ، فجعلوه مستقرّا على عرشه وسريره فوق السماوات وأقصى ما عند المتظاهرين بالتنزيه إضافة قولهم : بلا كيف أي لا نعلم كيفية سريره واستقراره ، قال الشيخ الأشعري : « نقول : إنّ الله عزّ وجلّ يستوي على عرشه كما قال يليق به من غير طول الاستقرار » (١).
وهؤلاء ـ الذين حبسوا القاهر المحيط في نقطة خاصّة من العالم ـ تحيّروا أمام هذه الايات التي دلّت على احاطة وجوده لكلّ شيء وصحيفة الكون ، فلجأوا إلى التأويل المبغوض عندهم فقالوا في تفسير الآية في سورة المجادلة : المراد انّه سبحانه هو بعلمه رابعهم ، وبعلمه سادسهم ، ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم ، نعني بعلمه فيهم ، كما أوّلوا قوله سبحانه : ( وَهُوَ اللهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ ) بأنّ المراد هو إله من في السموات ، وإله من في الارض وهو على العرش ، وقد أحاط علمه بما دون العرش ، ولا يخلو من علم الله مكان ، ولا يكون علم الله في مكان دون مكان (٢).
إنّ اتّخاذ الرأي المسبق في إحاطته سبحانه على الأشياء وتحديد وجوده بالاستقرار على السرير الموضوع على العرش ، لا ينتج سوى هذا أي التلاعب بآيات
__________________
(١) الإبانة للأشعري : ص ١٨ و ٨٥.
(٢) السنّة لابن حنبل : ص ٣٤ و ٣٦ طبع القاهره.