وورد لفظ « الظاهر » بصوره المختلفة عشر مرّات ووقع اسماً له في مورد واحد ، كما عرفت في الاية السابقة.
قال « ابن فارس » : الظهر له أصل صحيح واحد يدلّ على قوّة وبروز ، من ذلك ظهرَ الشيء يظهر ظهوراً ، ولذلك سمّي وقت الظهر والظهيرة ، وهو أظهر أوقات النهار وأضوؤها ، ومنه يعلم معنى البطن وهو خلاف الظهور أعني الخفاء ، ولعلّه لذلك سمّي أعلى الحيوان ظهراً وأسفله بطناً لظهور الأوّل وخفاء الثاني.
قال الراغب : والبطن خلاف الظهر في كلّّ شيء ، ويقال للجهة السفلى بطن وللجهة العليا ظهر ، وبه شبّه بطن الامر وبطن البوادي ، يقال لكلّ غامض بطن ، ولكلّ ظاهر ظهر ، ومنه بطنان القِدر وظهرانها.
وقد استعمل في الذكر الحكيم كلا اللفظين على هذا المنوال ، قال تعالى : ( وَذَرُوا ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ ) ( الأنعام / ١٢٠ ) ، وقال تعالى : ( وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ) ( لقمان / ٢٠ ) ، ومن هذا الباب قولهم لدخلاء الرجل الذين يبطنون أمره : هم بطانته ، قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ ) ( آل عمران / ١١٨ ).
وعلى هذا فالمراد من توصيفه بالظاهر والباطن هو ظهوره وخفائه وأنّه سبحانه جامع بين الوصفين الضدّين.
ولأرباب الإشارات في تفسير هذين الاسمين وجوه أنهاها الرازي إلى أربعة وعشرين وجها (١) وسنذكر الأقلّ منها :
١ ـ الظاهر بآياته التي أظهرها من شواهد قدرته وآثار حكمته وبيّنات حجّته الذي عجز الخلق جميعاً عن إبداع أصغرها ، وانشاء أيسرها وأحقرها عندهم ،
__________________
(١) لاحظ لوامع البينات : ص ٣٢٣.