بالجزئيّات بدقّة وامعان ولعلّ « الخبير » تأكيد لمعناه أو هو تأكيد له ، والايات بصدد بيان أنّ علمه سبحانه بما يجري في الكون ليس علماً اجماليّاً بل هو علم تفصيلي يشمل كلّّ ما جلّ ودق ، وكلّّ شيء خَفِي أو ظهر ، وبذلك يبطل قول من ينكر علمه سبحانه بالجزئيات بحجّة أنّها في مظان التغيّر والتبدّل ، فيوجب الحدوث والتبدّل في ذات البارئ ذاهلاً عن أنّ التغيّر في المعلوم لا في جانب العلم ، ولعلّنا نرجع إلى نقد هذه الشبهة عند البحث عن اسم « العالم ».
ولأجل اشتمال هذه الكلمة على الدقّة والامعان يقول سبحانه : ( بَلِ الإِنسَانُ عَلَىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَىٰ مَعَاذِيرَهُ ) ( القيامة / ١٤ و ١٥ ). ويقول سبحانه حاكياً عن السامري : ( بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ ... ) ( طه / ٩٦ ).
هذا كلّّه حول البصير وأمّا « السميع » فقد استعمل في معنيين : أحدهما سماع المسموعات الذي يرجع معناه فيه سبحانه إلى حضورها لديه ، وعدم غيبتها عن ذاته ، وهذا المعنى هو الأكثر ، وآخر بمعنى « المجيب » مثل قوله : ( سَمِيعُ الدُّعَاءِ ) ( آل عمران / ٣٨ ) و ( إبراهيم / ٣٩ ) والحقّ أن يقال : إنّ السميع في هاتين الايتين كالسميع في غيرهما ، وإنّه استعمل في معنى واحد وهو سماع الدعاء غير أنّ السماع إذا لم يكن مقترناً بالاجابة لا يكون نافعاً للعبد ، فلأجل ذلك فسّر بمجيب الدعاء لا أنّه استعمل اللفظ في المجيب بل الاجابة من لوازم المقصود ، ومثله مايقال : اسمع ما أقول ، أو يقال : لِمَ لا تسمع ما قلت.
وقال سبحانه : ( سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ) ( البقرة / ٢٨٥ ). و « الراغب » فسّر بعض الايات وقول القائل : « اسمع ما أقول » بالطاعة ، والحقّ أنّ السماع استعمل في نفس المعنى اللغوي ولكن لمّا كانت الغاية من السماع هو الفهم ثم العمل دلّ الكلام عليه بما أنّه من لوازم المعنى اللغوي في المقام.