مَا طَغَىٰ ) ( النجم / ١٧ ) ، وجمع « البصر » : « أبصار » وجمع « البصيرة » : « بصائر » (١).
وعلى كلّّ تقدير إنّ البصر والسمع من أعظم أدوات المعرفة وأنفعها وأكثر ما يرتبط به الإنسان مع الخارج بهذين الحسّين ، فهما من أشرف الحواسّ الظاهرة ولعلّه ـ لأجل ذلك ـ اُطلق عليه سبحانه « السميع البصير » دون غيرهما من أسماء الحواسّ ، فلا يطلق عليه « الشامّ » و « الذائق » و « اللامس » وإن فسّرت بما يفسّر به « السميع » و « البصير » بمعنى حضور المبصرات والمسموعات ، وهذا يعرب عن كرامة هذين الحسّين وأعظمها نفعاً وأوسعها في ايجاد الصلة للإنسان بالخارج. ونقدّم الكلام في « البصير » على « السميع » حفظاً للترتيب الأبجدي.
والتتبّع في الايات يعطي أنّ البصير قد يطلق ويراد منه حضور المبصرات عنده كما سيأتي بيانه وذلك عند ما استعمل مع « السميع » ، قال سبحانه : ( إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا ) ( النساء / ٥٨ ) وقس عليه ما جاء بهذا المنوال وقد يراد منه العلم بالجزئيات والاشراف عليها عن كثب وأنه لا يعزب عنه شيء من الأشياء وذلك عند ما يستعمل متعدّياً بالباء.
قال سبحانه : ( إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا ) ( الاسراء / ٣٠ ) وقال سبحانه : ( وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا ) ( الاسراء / ١٧ ) وقال سبحانه : ( وَكَانَ اللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا ) ( الفتح / ٢٤ ) وقال سبحانه : ( مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ الرَّحْمَٰنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ ) ( الملك / ١٩ ).
والمتعلّق في هذه الايات يختلف سعة وضيقاً فقد تعلّق ب « كلّ شيء » مّرة ، وب « العباد » ثانيا ، وب « أعمالهم » ثالثة ، وب « ذنوبهم » رابعة ، فعندئذٍ لا يصحّ تفسير البصير فيها بحضور المبصرات فإنّ كثيراً من الذنوب وكثيراً من الأشياء ليس أمراً مبصراً مرئيّا بالعيون ، ومع ذلك هو بصير بكلّ شيء ، فالبصير هناك يرادف العلم
__________________
(١) المفردات للراغب : ص ٤٩.