النوعي ، بل هو مع الغفلة عن كل هذا يدرك حسن بعض وقبح بعض آخر ، ولو نرى اتّفاق جميع العقلاء من جميع المذاهب والطوائف على هذا الحكم فلأنّه نابع من صميم القوّة العاقلة وهو أمر مشترك بين الناس.
وأقول رعاية للحقّ : إنّ أوّل من هذّب محلّ النزاع بوجه رائع هو المحقّق اللاهيجي في تأليفيه النفيسين (١).
ونزيد تأكيداً على أنّ هذا هو المدار ، وهو أنّ الغرض من طرح هذه المسألة هو التوصل إلى التعرف على أفعاله تعالى وهو لا يتمّ إلاّ إذا لوحظت المسألة على النحو الذي بيّنّاه.
نعم يمكن توجيه القول بالطبع من هذه الأقوال وإرجاعه إلى ما ذكرنا وهو أنّ صدق القضايا العقليّة في الحكمتين ، وتوصيفهما بالحقّ والصدق يتوقّف على وجود ملاك له. وهو في قضايا الحكمة النظريّة ، نفس الواقع والخارج بعرضها العريض.
فقولنا الإنسان متعجّب أو ممكن أو نوع من القضايا الصحيحة في الحكمة النظرية وملاك صدقها هو مطابقتها للخارج العريض ولا تشذّ عنها قضايا الحكمة العمليّة فإنّ توصيفها بالصدق والحقّ يتوقف على الملاك ، فقولنا : « العدل حسن » و « الظلم قبيح » قضيّتان صحيحتان ونقيضاهما باطلان وكاذبان. فما هو الملاك في الحكم بالأوّليتين بالحقّ والصدق وبالثانيتين بالكذب والبطلان ؟
أقول : الملاك في هذا الباب هو مطابقة حكم القضية للطبع الإنساني ولا يراد منه الطبع الحيواني الذي يجنح إلى العبث والفساد بل الجانب الأعلى والمثل الأعلى للانسان والوجه المثالي منه ، فلو اُريد من الطبع هذا المعنى لاتّفق القولان.
فالانسان بما هو ذو فطرة مثاليّة يتميّز بها عن الحيوانات يجد بعض القضايا
__________________
(١) گوهر مراد : ص ١٢٢ ـ ١٢٣ ، وسرماية ايمان : ص ٣٣ ـ ٣٥. وما حقّقناه توضيح وتحقيق لكلامه.