فلا يكون له وجود وظهور في نفسه بل يكون وجوده وظهوره من أصله المظهر بايجاب وجوده المحقّق لحقيّته وثباته ، والممكن من جهة نفسه باطل ولذلك قال : ( كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ ) (١).
وبذلك يعلم أنّ قوله سبحانه : ( ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ) ( لقمان / ٣٠ ). من غرر الايات القرآنية ، تشتمل على معارف إلهيّة نشير إلى إجمالها :
١ ـ إنّ الحقّ المطلق ثابت لله سبحانه وإنّه لا يوصف به إلاّ هو.
٢ ـ إنّ الأصنام والأوثان التي كانت العرب عابدة لها ليس لها من الألوهية شيء ، فهي من هذا الجانب باطل محض لا تملك منها شيئاً إلاّ الإسم وهذا لا ينافي أن يوصف بالحقّ من حيث أنّ لها درجة من الوجود ككونها جماداً أو نباتاًً أو حيوانا غير أنّ محور البحث كونها آلهة فهي في هذا النظر لا توصف إلاّ بالبطلان.
٣ ـ إنّ توصيفه سبحانه بالعليّ في الاية يشير إلى صفاته السلبية ويفيد تنزّهه عمّا لا يليق بساحته فالله سبحانه حقّ منزّه عن كل نقص من الجهل والعجز والزمان والمكان والجسم ، فما يدعون من الآلهة ليس لهم من الحقيقة شيء ولا إليهم من الخلق والتدبير شيء ، ولا إليهم شيء ممّا يعدّ فعلاً للربّ ككونهم مالكين للمغفرة والشفاعة.
٤ ـ إنّ توصيفه سبحانه بالكبير إشارة إلى صفاته الثبوتية ويفيد سعة وجوده واشتماله على كل كمال وجودي وهو مجمع الصفات الكمالية والجمالية ، فهي الذات المستجمعة لجميع صفات الكمال فهو الله عزّ اسمه.
وعلى ذلك فلحق في الاية وفي كل ما وقع وصفاً له سبحانه يعادل واجب الوجود و « العليّ » يقوم مقام الصفات السلبية و « الكبير » يقوم مقام الصفات الثبوتية.
__________________
(١) كتاب كاشف الأسماء في شرح الأسماء الحسنى في اسم الحق.