الحكماء ما يخرج بها الفاعل من القوّة إلى الفعل ومن الامكان إلى الوجوب ، فهي السبب لخروج الفاعل عن كونه فاعلاً بالقوّة إلى كونه فاعلاً بالفعل ، مثلا النجّار لا يقوم بصنع الكرسي إلاّ لغاية مطلوبة ولولا تصوّرها لبقى على كونه فاعلاً بالقوّة ، فلو كان لأفعاله سبحانه غاية لزم كونه ناقص الفاعليّة في ذاته ، وتامّ الفاعليّة بغاية الفعل فيحتاج في فاعليّته إلى شيء وراء ذاته.
يلاحظ عليه : أنّ ما ذكروه في تفسير العلّة الغائية حقّ لا غبار عليه وقد أخذته مفكّروا الأشاعرة من الفلاسفة واستغلوه في غير موضعه ، وخرجوا بهذه النتيجة : إنّ فعله سبحانه عار عن أية غاية وغرض وجعلوا فعله كفعل العابثين واللاعبين يفعل بلا غاية ويعمل بلا غرض ، والعلّة الغائيّة بهذا المعنى تنطبق على وجود الغرض للفاعل ، ولا تنطبق على وجود الغرض للفعل ، وقد عرفت أنّ القائلين بتبعيّة أفعاله للأغراض إنّما يعنون القسم الثاني دون الأوّل ، فلا شكّ انّه سبحانه تامّ الفاعلية بالنسبة إلى كلا الفعلين : ما يترتب عليه الغرض وما لا يترتب عليه الغرض لعموم قدرته ، لكن كونه حكيماً يصدَّه عن اختيار القسم الثاني ، فلا يختار من الأفعال الممكنة إلاّ ما يناسب ذلك المبدأ.
وهذا كعموم قدرته للفعل المقترن بالعدل والجور كسوق المطيع إلى الجنة والنار لكن اتّصافه بالعدل يصدّه عن سوقهم إلى النار ، ولا يختار إلاّ الأوّل وهذا لا يعني انّه في مقام الذات والفاعلية يستكمل بهذا الغرض بل هو في مقام الفاعلية تامّ لكلا العملين ، لكن عدله وحكمته وما يناسبهما تقتضي أن يختار هذا دون ذاك ، فلو أنّ النافين للأغراض يفرّقون بين الغرضين لما تطرفوا في نفي اقتران فعله بالغرض.
وبذلك يعلم المراد من انتخاب الأصلح وانّه لا يخلق إلاّ الأصلح ويترك اللغو والعبث ، وليس المراد من ذلك تحديد قدرته ومشيئته من جانب العبد بل العبد يستكشف من خلال صفاته وكمالاته ، إنّه لا يختار إلاّ الأصلح والأولى مع عموم قدرته على كلا الطرفين ، وأظنّ أنّ المسائل الكلامية لو طرحت في جو هادئ